أخطاء شائعة عن التصوف

عمران سلمان – 26 ديسمبر 2020/

يحاط التصوف في المفهوم الشعبي العربي والإسلامي المعاصر بتصورات نمطية، تركز على المظهر والشكل الخارجي للمتصوفة وأسلوب حياتهم.

فالصورة السائدة عن التصوف في الغالب هي حلقات الذكر والرقص الجماعي، وإحياء الموالد وعن المتصوفة أنهم أناس غريبو الأطوار، يرتدون الثياب البالية والمرقعة، تتدلى من أيديهم السبحة، ويتركون العنان لشعر رؤوسهم وذقونهم كي ينمو في كل اتجاه.

فيما يرى أخرون أن المتصوفة هم أناس غير عقلانيين، يزورون القبور والأضرحة، ويدعون الناس للتبرك بها، ويؤمنون بالعجائب والخرافات والسحر والشعوذة وما إلى ذلك.

هذه هي الصورة النمطية التي يختزنها العقل العربي والإسلامي الحديث للتصوف،  وهذا كل ما يراه الإنسان في المتصوفة.

ولست ألوم من يتبنى هذا التصور. فالإنسان يؤخذ عادة بما يراه ظاهرا، وبما أن باطن التصوف وحقيقته ليستا متاحتين إلا لمن لديه تجربة روحانية، فإن المظاهر الخارجية هي كل ما يتبقى للإنسان كي يكوّن من خلالها أراءه وانطباعاته. 

بيد أن الأمر الواجب توضيحه هنا، هو أن التصوف نشأ وانتشر في بيئات مختلفة، وعبر أزمنة مختلفة. في بعضها كان روحانية خالصة، وفي بعضها امتزج بالدين وطقوسه، وبعضها الآخر أصبح جزءا وامتدادا للتقاليد والعادات الشعبية.

وفي القرون الأولى للتصوف كان الغالب عليه، هو التأمل والنزعة الروحانية، وبعضها روحانية ممزوجة بتدين باطني. وتشير الأشعار والروايات والمؤلفات الصوفية عامة إلى درجة عالية من التجريد والرمزية وأحيانا استخدام نفس الكلمات ولكن بمعاني ومضامين مختلفة، يصعب على من هم خارج الدائرة استيعابها بسهولة. 

ويقسم الصوفية الناس إلى ثلاثة أقسام. العامة والخاصة وخاصة الخاصة. ويعتبرون أن الشريعة هي للعامة والطريقة للخاصة والحقيقة لخاصة الخاصة. وهذه ليست تقسيمات نهائية، فالإنسان ينتقل من مستوى إلى آخر. وهكذا فإن التصوف بهذا المعنى هو مجال بعيد في جوهره وممارساته عن العامة.

لكن في العصور المتأخرة، ولعوامل لا يسع المجال لذكرها، أخذ التصوف يميل أكثر ناحية الارتباط بالطقوس والمظاهر الخارجية.  

وما نراه من مظاهر شعبية للتصوف يمكن تفسيره، على النحو التالي. لشيوخ المتصوفة والروحانيين عموما جاذبية خاصة. ففي حضورهم يشعر الإنسان بالراحة والطمأنينة والسلام. والاستماع إليهم يشيع في النفوس البهجة وينعش الروح.   

وفي العادة لا يعرف الإنسان تفسيرا أو توصيفا لذلك، لكنه يشعر به دون شك. ومع الوقت يكون هذا سببا في التفاف عدد كبير من الناس حول الشيخ الصوفي والحرص على الارتباط به وعدم مفارقته. وعندما يموت الشيخ، فإن المريدين والأتباع الذين كانوا معه في حياته، يظلون مرتبطين به. وحول هذا الارتباط تنشأ أساطير وطقوس شعبية، هي من باب التكريم وإبقاء ذكرى الشيخ الصوفي حية في نفوس الناس. لكن الطبيعة البشرية لا تقف عند هذا الحد.    

زيارة الأضرحة والقبور  

يؤمن المتصوفة بأن الإنسان لا يموت حقيقة، فروحه تظل موجودة في الحياة. وأن الموت ما هو إلا تغيير في شكل الطاقة. وبالتالي فإن الشيوخ الذين ارتبط الناس بهم، يظلون أيضا موجودين في الحياة ولكن بأشكال مختلفة.  وبما أن الإنسان العادي في هذه الحياة لا يستطيع أن يصل إلى روح شيخه أو يدركها، فإنه يلجأ إلى رمز يمثلها. وهذا الرمز قد يكون هو القبر أو الضريح أو المكان الذي عاش فيه الشيخ الصوفي. فالناس حقيقة لا يتبركون بالقبور أو الأضرحة، ولكنهم يتخذونها علامات على أمكنة تبقيهم على اتصال مع ذلك الشيخ ونيل بركته. وهذا الأمر ليس مقتصرا على الصوفية، فهو موجود بأشكال مختلفة لدى غالبية البشر وفي مختلف الثقافات والأديان والعقائد. لكن الاختلاف هو فقط في الأسماء والمبررات.

الكرامات

 لشيوخ الصوفية قدرات قد يعتبرها بعض الناس خارقة ويسموها بالكرامات أو ما شابه، فيما يصفها آخرون بالشعوذة. وهي ليست شعوذة.

فالمعروف أن كل ما في الوجود هو طاقة. والطاقة تأخذ أشكالا مختلفة، من الكثافة واللطافة وما شابه. والإنسان عندما يصل إلى مرحلة متقدمة في الترقي الروحي،  أو يترقق جسمه فإنه يصبح قادرا على الإحساس بالطاقة الموجودة حوله، والتأثير فيها. فهو يمكنه أن يرى ما لا يراه الآخرون، أو يشعر بقرب وقوع أحداث لم تقع بعد. أو يداوي عللا وأمراضا يعجز الطب عن علاجها، أو يأتي بأفعال يصعب تفسيرها، وما إلى ذلك. كثيرون لا يجدون تفسيرا لذلك في نطاق العقل والمنطق، فيردونه إلى الشعوذة والسحر وغيره. 

الذكر والرقص

 يعتبر الذكر من أهم الممارسات الروحانية لدى أتباع الطرق الصوفية. فهو كما أسلفت في مكان آخر من هذا الكتاب يعادل التأمل في المدارس الروحانية الأخرى. والهدف منه هو مساعدة المريد على السيطرة على نفسه ورغباته وعملية التفكير لديه وتحقيق الترقي الروحي وصولا إلى الفناء في الله ثم البقاء فيه.

ويمارس الذكر بطرق مختلفة، داخل الإنسان وخارجه ومن خلاله. ويلعب الجسد دورا أساسيا في الذكر. ولعل أشهر هذه الطرق الطريقة المولوية التي أسسها مولانا جلال الدين الرومي والتي يمارسها الصوفية في حلقات، بحيث يدور كل واحد منهم حول نفسه، على وقع الموسيقى والإيقاعات في محاكاة لدوران الكواكب والنجوم في الأفلاك. في المقابل هناك طرق ذكر أخرى يمارسها الإنسان همسا في أعماقه، ولا يكاد يحس فيها من حوله. وما بين هذه وتلك، تتنوع الطرق، ما بين هز الرأس أو التمايل أو الرقص. وكلها ينشد ذات الهدف والوصول إلى نفس الغاية.

(من كتاب: من الدين إلى الروحانية – عمران سلمان)

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *