عمران سلمان – الحرة – 1 يناير 2021/
تواجه جماعات الإسلام السياسي والإسلاميون عموما معضلة كبيرة عندما يتعلق الأمر بإسرائيل، فهم من جهة يريدون المحافظة على صورة “نقية” رافضة لوجود إسرائيل والتطبيع معها، متخندقين في ذلك بالقرآن والسنة، وهم من جهة أخرى براغماتيون من الدرجة الأولى عندما يتعلق الأمر بالسياسة والسلطة والعلاقات الدولية.
قميص العثماني
وقد وفرت الأيام القليلة الماضية مثالين ساطعين على هذه المعضلة.
الأول من المغرب حيث وقع رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية الإسلامي، كما هو معروف، على اتفاقية السلام مع إسرائيل. وقد رد العثماني على الانتقادات التي وجهت له بأنه يضع مصالح المغرب فوق المصلحة الحزبية، خاصة حينما يتعلق بالأمر بالقضايا السيادية.
حزب العدالة والتنمية من جانبه أعلن وقوفه الكامل مع العثماني، وذلك في بيان أصدره عقب اجتماع استثنائي لأمانته العامة، كما أكد الحزب على “أهمية الالتفاف وراء العاهل المغربي في الخطوات التي اتخذها في مجال تعزيز سيادة المغرب على الصحراء، وعلى المواقف الثابتة للبلاد فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية”.
بطبيعة الحال هناك (داخل المغرب وخارجه) من تفهم هذا الأمر واعتبره نوعا من البراغماتية التي تتطلب المرونة والتعامل وفق خصوصية الواقع المغربي وما يفرضه الموقع الحكومي من مسؤوليات تتجاوز المواقف التقليدية التي قد تصدر من أحزاب المعارضة أو الناشطين السياسيين.
هجوم غير مسبوق
لكن الكثيرين أيضا داخل وخارج المغرب لم يبدوا تفهما للخطوة. وقد دارت سجالات وكتبت مقالات وآراء كثيرة حول هذا الموضوع في المواقع الإلكترونية التابعة للإسلاميين أو القريبة منهم، معظمها عاب على الحزب الإسلامي المغربي موافقته على اتفاقية التطبيع. بل ذهب آخرون مثل عبد الرزاق مقري رئيس حركة مجتمع السلم الجزائرية في صفحته على الفيسبوك إلى حد اعتبار ما قام به رئيس الحكومة المغربية “خيانة لمبادئه وخطه السابق المعادي للتطبيع”، معتبرا أن هذه الخطوة قد جلبت له “الخزي والعار”.
أما عضو المكتب السياسي لحركة حماس، موسى أبو مرزوق، فقد أكد في تغريدة على حسابه في موقع تويتر: “أصابنا خذلان كبير بتوقيع رئيس الحكومة المغربية وزعيم حزب العدالة والتنمية سعد الدين العثماني للاتفاق، والذي كنا نأمل منه اتخاذ موقف تاريخي مشرف”.
فيما اعتبر القيادي في حماس سامي أبو زهري، في تغريدة على حسابه في تويتر، “إننا نعبر عن استيائنا من توقيع العثماني للاتفاق، ونعتبره سقطة كبيرة لحزب العدالة والتنمية مرجعيته إسلامية”.
حلال على أردوغان
أما المثال الثاني فقد جاء من تركيا، حيث أعلن الرئيس رجب طيب إردوغان (25 ديسمبر 2020) أن بلاده تريد علاقات أفضل مع إسرائيل، رغم أنه لا يوافق على سياستها تجاه الفلسطينيين. كما أشار إلى أن العلاقات التركية مع إسرائيل على المستوى الاستخباراتي مستمرة ولم تتوقف.
بالطبع هذا التصريح لم يأت من دون سياق، بل اندرج ضمن خطوات عديدة اتخذتها تركيا مؤخرا لإصلاح علاقاتها مع إسرائيل. فقد أعلنت أنقرة نيتها إرسال سفير جديد إلى تل أبيب بعد سنتين على سحب سفيرها، كما أجرى رئيس المخابرات التركية محادثات في إسرائيل في نوفمبر الماضي، وهذا كله معطوفا على استمرار العلاقات الاقتصادية التي لم تتأثر قط بين البلدين.
تصريح إردوغان إذا لم يكن زيادة على الهامش. بل كان في صلب الموضوع. أما الاتيان على مسألة “سياسة إسرائيل تجاه الفلسطينيين” التي لا يوافق عليها، فذلك لذر الرماد في العيون فقط، ولكي يقول بأن تحسين هذه العلاقات ليس على حساب الفلسطينيين، وهو الأمر نفسه الذي قالته الحكومات العربية لدى توقيعها اتفاقيات سلام مع إسرائيل، مع الفارق أننا في الحالة التركية نتحدث عن علاقات قائمة وليست جديدة.
اللعب على الحبال
الأمر اللافت أن العلاقات التركية الإسرائيلية، تحظى بالقبول والتفهم الكامل من جانب الإسلاميين، وهناك من يتبرع بالدفاع عنها وإضفاء المشروعية عليها، بل ثمة مع يضعها في سياق مختلف عن العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل، رغم أنها في المحصلة وكما يعرف الجميع تقوم على نفس الأساس وهو الاعتراف بوجود إسرائيل كدولة والتعامل الدبلوماسي والسياسي والاقتصادي معها.
وبالتالي فمهما حاول الإسلاميون أن يجدوا تبريرا لما تقوم به تركيا، فالتناقض في موقفهم واضح والثقوب تملأ خطابهم.
لكن ما يجعل مهمتهم صعبة ومحرجة في آن واحد، سواء في حالة تركيا أو المغرب، هي أنهم يبالغون تماما في مواقفهم المعادية للتطبيع مع إسرائيل، إذ هم يستخدمون الدين والإرث القومجي الديماغوجي في تخوين خصومهم وتكفيرهم. فهم كمن يصعد أعلى غصن في الشجرة، ثم يجد صعوبة في النزول منه، حينما يفرض عليه الأمر ذلك.
ولو أنهم اتبعوا المرونة والتفهم لربما وجدوا العذر للعثماني كما وجدوا العذر من قبل للرئيس المصري السابق محمود مرسي في تعامله مع إسرائيل، ولما اضطروا للدفاع عما لا يمكن الدفاع عنه (من وجهة النظر الإسلامية) في علاقة تركيا وقطر مثلا مع إسرائيل! لكنها حسابات الدنيا هنا وليست حسابات الآخرة. والإسلاميون بالذات متمرسون في اللعب على هذه الحبال.