بقلم/ عمران سلمان – قناة الحرة – 1 أكتوبر 2021/
الجانب الخرافي والأسطوري في الأديان عموما واضح ولا يمكن إنكاره، سواء تعلق الأمر بتفسير طبيعة الإنسان أو الوجود أو الظواهر الطبيعية.
والإنسان إزاء ذلك أمام موقفين، إما أن يؤمن بالأديان ويقبلها كما هي أو لا يؤمن بها، لكن أن يحاول عقلنتها وجعلها تتماشى مع العلم وقوانينه فهنا تكمن الطامة الكبرى.
يندرج ضمن ذلك خرافة الاعجاز العلمي للقرآن، كما تندرج المحاولات المرضية لاستنطاق الكلمات والجمل في القرآن والأحاديث كي تناسب ما يستجد من اكتشافات علمية ومفاهيم عصرية. بل وتحوير الكلمات وإنزال معان قديمة على كلمات حديثة أو العكس كي يقال بأنها هي المقصودة في هذه النظرية العلمية أو تلك. (على سبيل المثال كلمة “ذرة” ومعناها الأصلي في اللغة العربية النملة الصغيرة أو الهباءة ولا تعني الذرة بالمفهوم الكيميائي الحديث والتي لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة).
يندرج أيضا ضمن ذلك اختلاق قصص تحوّل بعض المشاهير العالميين إلى الإسلام، وخاصة العلماء والمفكرين ورواد الفضاء منهم، بهدف الإيحاء بأنهم توصلوا إلى ذلك بفضل الإعجاز العلمي! وهي قصص تنطلي على البعض فترة من الزمن لكن سرعان ما يتم اكتشافها، حتى يعاد اختراع غيرها وهكذا.
والملفت أن العلماء العرب والمسلمين القدماء (المقصود علماء الرياضيات والكيمياء والفلك.. الخ وليس رجال الدين) لم يلجأوا إلى القرآن أو الأحاديث في عملهم. ولم يدعوا أن هناك إعجاز علمي في القرآن مثلا.
هذا المصطلح حديث وهو نتاج عصر التأخر والجمود والشعور بالنقص من تطور الأمم الأخرى، فكان لا بد من علاج نفسي لتلك العقدة، وكان أن اهتدى بعض رجال الدين إلى هذه الخدعة الكلامية والنفسية للتعويض على المسلمين بأن جميع الاختراعات العلمية، ما كان منها وما سيكون، إنما هي موجودة تحت أيدي المسلمين ومحفوظة بين دفتي القرآن، فلا فضل إذن لتلك الأمم في اختراعاتها أو تطورها العلمي والتكنولوجي. فهي لم تسبق المسلمين ولم تتفوق عليهم بدليل أن القرآن قد اكتشف كل ذلك قبل مئات السنين!!
والمشكلة، حسب هؤلاء، هي فقط في عجز المسلمين وكسلهم عن اكتشاف ما هو موجود بين أيديهم وافتتانهم بما لدى الأمم الأخرى. ولو أنهم آمنوا بأن كل قانون طبيعي وكل اختراع علمي وكل نظرية إنما هي موجودة في القرآن، وأن ما عليهم سوى التدبر والتأمل في آياته وسوره لتفوقوا على باقي الأمم ولبزوها في الاختراعات والاكتشافات!!
هذا هو منطق بعض رجال الدين (والأدق أن نقول الكثير منهم) في التعامل مع هذه المسألة. والمصيبة طبعا هي أن أحدا لم يسأل رجال الدين هؤلاء بما أنهم أكثر المتأملين والمتدبرين في آيات القرآن وسوره لماذا لم يكتشفوا أو يخترعوا هم أنفسهم لنا شيئا جديدا كي نباهي به الأمم الأخرى؟
لماذا لا يجمعون جهودهم وطاقاتهم لإثبات صحة ما يدعونه ويقولونه؟
لماذا تنحصر جهودهم في تلفيق ما تم اكتشافه من علوم مع خرافة الاعجاز العلمي للقرآن، بدلا من إخبارنا بما يمكن أن يكتشف أو يخترع الآن أو في المستقبل؟
بل لماذا لا يبادرون إلى إنشاء المعامل وأقسام البحوث في الجامعات لدراسة وتجربة ذلك الإعجاز؟ ولماذا لا يقومون بنشر بحوثهم وإنتاجاتهم الثمينة هذه في المجلات العلمية الرصينة؟
طبعا لن يحدث شيء من ذلك، لأني أعلم والقارئ يعلم أيضا بأنه لا يوجد إعجاز علمي في الأديان ولا هم يحزنون، وأن المسالة كلها مجرد خداع وضحك على العقول والذقون وباب من أبواب الرزق المفتوحة لهؤلاء.
وخلوها من الإعجاز العلمي لا يجب أن يكون مشكلة بالنسبة لهذه الأديان، فهذا ليس هدفها وهي لم تأت من أجل ذلك فيما اعتقد، فبحسب فهمي هدف الأديان هو مساعدة الإنسان في الجوانب الروحانية والأخلاقية. هي يفترض أن تمارس دورا شبيها بتلك التعاليم المختصة بالتنمية الذاتية. وهذه أيضا لها جوانب يمكن للإنسان أن يقبلها كما هي ويمكنه أن يرفضها، لكنه إن حاول أن يحولها الى قوانين ونظريات علمية فان الفشل حليفه لا محالة.
لحسن الحظ فإن الإنسان ليس بحاجة إلى القيام بكل ذلك. هو يستطيع إن أراد أن يحتفظ بالاثنين وأن يبقي عقله وقلبه منفتحين على جميع الاحتمالات ومن دون أن يدعي بأنه يمتلك الحقيقة المطلقة.
الشرط الوحيد لنجاحه هو عدم الخلط بين الاثنين، أو السماح لرجال الدين (ومن في حكمهم) بأن يأخذوه في نزهة إلى عالم الوهم والأكل من ثمرة الخرافة والأساطير ومن ثم الهبوط من مستوى العقل والعلم والمنطق السليم الى ما دون ذلك.
بمعنى آخر فإن الإنسان يستطيع أن يحتفظ بإيمانه، وفي الغالب سيكون هذا روحانيا وليس دينيا، وفي الوقت نفسه يؤمن بالعلم والعقل وقيم الحضارة الحديثة، ولا تناقض بين الأمرين. إذ أن الروحانية، وعلى عكس الدين، هي في جوهرها سعي وبحث فردي عن المعرفة (أو الحقيقة) من دون حدود أو قيود أو مسلمات، وهي معرفة تختلف عن المعرفة العقلية أو العلمية ولكنها لا تتناقض معها، وإنما تكملها. فهي تشتغل في المساحة التي لم يصل إليها العلم والعقل بعد، لكن من دون الادعاء بأنها بديلا عنهما أو أن ما تشتغل عليه هو الحقيقة المطلقة. فحين يكون لكل فرد حقيقته الخاصة به ينتفي المطلق.. كل مطلق.
ليس هناك تعارض بين الدين والعقل او الدين والعلم لاسيما الدين الإسلامي. فكل ما جاء به الإسلام حتى في مجال الغيبيات معروض على العقل لكي يقبله فيؤمن به أو يرفضه .فضلا عن القضايا المتعلقة بنظم الحياة التي جاء فيها الإسلام بتوجيهات عامه ترشد الى الإنسان في سعيه في دروب الحياة. اضافة الى ذلك كله نبه الإنسان إلى السير والتفكير فيما حوله واكتساب المعرفة التي تعينه في حياته. فالقول بان الدين حجر على العقل البشري ليس صحيحا ولا تسنده وقائع التاريخ.