عمران سلمان – الحرة – 19 فبراير 2021/
في الأسبوع الماضي نشطت وسائل الإعلام التي تمولها قطر وكذلك تلك التابعة لإيران باللغة العربية، في الحديث عن الوضع السياسي في البحرين، وتحديدا ذكرى 14 فبراير وهو اليوم الذي اندلعت فيه الاحتجاجات في عام 2011، وهو اليوم أيضا الذي تم فيه التصويت بالأغلبية الساحقة على ميثاق العمل الوطني قبل ذلك بعشرة أعوام (2001) والذي نظم الحياة السياسية في البلاد بما في ذلك الدستور الجديد وتشكيل المجلس الوطني.
خطاب التأزيم
وفي حين حظي الحدث الأول باهتمام وسائل الإعلام الموالية لقطر وإيران، تم تجاهل الحدث الثاني والذي غطته بكثافة وسائل الإعلام البحرينية. وهذا أمر مفهوم بطبيعة الحال.
لكن لم يتحدث أحد عن حقيقة أن ما جرى في السنوات العشر الماضية، كان تجربة مريرة بكل المقاييس، عاشها البحرينيون بمختلف أطيافهم، وأسفرت وقتها عن تشوهات كبيرة في المجتمع وكذلك في الحياة السياسية، ولا أتصور أن أحدا يريد العودة إليها. وقد كان من المتوقع بعد كل ذلك أننا سنكون أمام خطاب سياسي مختلف من جانب جماعات “المعارضة”، يملك ما يكفي من النضج والحكمة والحرص على أمن واستقرار البلاد ومصالح العباد، يستفيد من الماضي ويستشرف المستقبل بصورة تجعله يوازن بين ما يطرحه وما يستجيب للواقع، لكن للأسف فإن ما صدر منها حتى الآن، هو اجترار لنفس الخطاب القديم الذي يتحدث بلغة التصعيد والمواجهة “حتى النصر” وما شابه ذلك.
أما الخطاب الذي يمكن أن يعالج مشاكل الماضي وينطلق نحو المستقبل فهو ذاك الخطاب الذي يركز على توحيد البحرينيين ضمن أهداف مشتركة ترتقي بالجميع، بدلا من أن يراهن على صعود شريحة وهبوط شريحة أخرى.
الخطاب الذي يرفض العنف ويحترم القوانين ويبتعد عن الروح الانتقامية وينبذ العمل وفق عقلية الربح والخسارة. وبالطبع الخطاب الذي يتخلى عن الشعارات والأهداف الطائفية التي كانت وما زالت عامل تخريب وتنفير وتفرقة بين البحرينيين. وأخيرا الخطاب الذي يسعى إلى اعتماد مبدأ الحوار والتفاوض والعمل مع الحكومة بدلا من العمل ضدها. للأسف لا نرى أي شيء من ذلك.
الاستعانة بإيران
كان ولا يزال من الأخطاء القاتلة لجماعات “المعارضة” البحرينية هو اللجوء لإيران أو السماح لها باستغلال الوضع السياسي، للظهور بمظهر الداعم للاحتجاجات.
وعلاوة على أن في ذلك تأكيد لما تقوله الحكومة البحرينية من صلات لهؤلاء بطهران، فإن النظام الإيراني، لا يمكن أن يكون نموذجا يتطلع إليه البحرينيون بأي حال من الأحوال. وهو لم يثبت في أي يوم حرصه على مصلحة البحرين والبحرينيين، إن لم أقل إنه فعل العكس على الدوام.
الصلات والمشتركات العقائدية سوف تبقى، فذلك أمر قديم ومتجاوز للسياسة، وهي لم تبدأ مع هذا النظام ولن تنتهي بذهابه، لكن من اللافت أن ما يطالب به هؤلاء هو ما تحرمه الحكومة الإيرانية على شعبها.
كذلك من الأخطاء الكبيرة اللجوء إلى وسائل الإعلام القطرية أو بعض الجهات العربية والغربية، التي لها مصلحة في زعزعة استقرار البحرين.
ففي الأشهر القليلة الماضية كانت هناك محاولات سياسية وإعلامية حثيثة، لكن فاشلة، شاركت فيها أكثر من جهة، لإقناع البحرينيين بالتمرد على قرار حكومتهم بإقامة علاقات مع إسرائيل، وتوريطهم من ثم في معارك دنكشوتية، يكونون فيها حطب نار لغيرهم، تدمر خلالها بلادهم ومجتمعهم.
وقد نشطت عدة حسابات على “تويتر” لمغردين عرب (بينهم فلسطينيون وقطريون ومصريون وبحرينيون معارضون) بهاشتاقات “بحرينيون ضد التطبيع” استهدفت تحريض المواطنين البحرينيين بشكل واضح على زعزعة الأمن والاستقرار في البلاد. لم يكن هدف هؤلاء إثبات أن في البحرين من يعارضون التوجه الحكومي، وإنما استغلال ذلك لأغراض سياسية تهدف إلى تشجيع الاتجاهات الراديكالية وتكبير الرؤوس والزج بالشباب في أتون معارك فاشلة ولا تتعلق بالشأن البحريني نفسه.
جبهة الممانعة
أكثر من ذلك سعت جهات إيرانية وغيرها إلى خلق حالة بحرينية شبيهة بتلك الموجودة في لبنان أو اليمن أو العراق عبر إدماج بعض المجموعات المتطرفة في البحرين في إطار ما تسميه “جبهة الممانعة والمقاومة” في المنطقة.
فقد ذكرت جريدة الأخبار اللبنانية القريبة من حزب الله (1 أكتوبر 2020) أن لقاءات جمعت في بيروت بين تنظيمات بحرينية معارضة مثل “ائتلاف 14 فبراير” و”جمعية الوفاق – المنحلة” مع قيادات في “حماس” و”الجهاد” و”الجبهة الشعبية” و”فتح” و”منظمة التحرير”. ومن بين القيادات الفلسطينية التي حضرت هذه اللقاءات رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية، ونائبه صالح العاروري وأسامة حمدان، إضافة إلى الأمين العام لحركة الجهاد زياد نخالة.
وقد نقلت “الأخبار” عن “أبو زينب”، القيادي في “ائتلاف 14 فبراير” قوله إن “هذه اللقاءات ستكون بداية لمرحلة جديدة من التعاطي الجادّ مع الاندفاع الخليجي نحو الكيان الصهيوني.. والوقوف في صف واحد مع قوى المقاومة لمناهضة المشروع الأميركي والإسرائيلي في المنطقة”. وأنه ستتم “مقاومة التطبيع بكلّ سبل المقاومة الممكنة والمتاحة”.
بعبارة أخرى فإن الذين تناولوا الشأن البحريني في الأسبوع الماضي لم يكن هدفهم هو تقديم المساعدة للبحرين والبحرينيين، وإنما استغلال المناسبة لأغراض سياسية معروفة.
ويبقى أن الوضع في البحرين ليس مثاليا، فهناك العديد من الملفات التي يختلف أو يتفق الناس بشأنها، بما في ذلك سبل الإصلاح السياسي والاقتصادي، لكن وضع البحرين يظل أفضل بكثير من أوضاع عربية وإسلامية. والمطلوب هو الاستثمار فيه والبناء عليه وليس زعزعته.
أما أولئك المحرضون والمتصيدون فهم لم يبنوا أوطانا ولم يصلحوا مجتمعات. هم دعاة للخراب والفوضى حيثما حلوا.