عمران سلمان – 13 يناير 2021/
قد تبدو الأحداث المأساوية التي شهدها مبنى الكونغرس في السادس من يناير وما تبعها من تحركات للديمقراطيين بتوجيه اتهام رسمي للرئيس دونالد ترامب والدفع بإقالته أو ربما منعه في نهاية المطاف من تولي أي منصب حكومي في المستقبل، قد تبدو فرصة ذهبية للحزب الجمهوري للتخلص أخيرا من ترامب وحقبته، أو على الأقل تقليص تأثيره ونفوذه على هذا الحزب إلى الحد الأدنى.
وكان لافتا أن زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل حسبما نقلت عنه أو عن أوساط مقربة منه وسائل إعلام أميركية، قد أبدى تطلعا مماثلا، وهو تطلع اقترن بعدم الممانعة في توجيه الاتهام رسميا لترامب.
وهذا الموقف الذي تميز بالجرأة الكبيرة من ماكونيل، ترددت أصداءه أيضا لدى مشرعين جمهوريين في الكونغرس مثل النائبة ليز تشيني وعدد من زملائها الذين ذهبوا أبعد من ذلك بالمطالبة بتنحية ترامب ومحاسبته.
لكن رغم اتضاح حجم الضرر الذي ألحقه ترامب بالجمهوريين، بما في ذلك تقسيم هذا الحزب وحرفه عن خطه الأصلي، فضلا عن تسببه في خسارتهم للأغلبية في مجلس الشيوخ، بعد سقوط مرشحيهما في جورجيا، إلا أن الطريق نحو التخلص من إرث ترامب لا يبدو سهلا أو معبدا.
ويظهر استعداد عدد كبير من أعضاء مجلس النواب من الجمهوريين الذي وقفوا ولا يزالون إلى جانب ترامب، سواء الذين صوتوا لعدم اعتماد نتائج الانتخابات لصالح بايدن أو الذين يعارضون توجيه الاتهام الرسمي له، أن ترامب لا يزال يتمتع بتأييد قسم مهم من المشرعين الجمهوريين، إما بسبب اتفاقهم مع خطه السياسي والأيديولوجي أو خوفا من قاعدته التي صوتت له في الانتخابات الرئاسية.
وبحسب عدد من المحللين فإن الموقف من ترامب وإدارته يعتبر هو الامتحان الأصعب أمام الحزب الجمهوري في العصر الحديث. وسوف يتحدد الطريق الذي سيسلكه هذا الحزب في المستقبل على كيفية تعامله مع هذا التحدي.
حتى الآن لا يوازي المرارة والاشمئزاز التي يشعر بهما الديمقراطيون من سياسات ترامب، سوى الجمهوريين التقليديين، أي الذين خدموا في إدارة جورج بوش والإدارات الجمهورية السابقة، والذين يعتبرون أنفسهم الممثلين الحقيقيين لتقاليد الحزب الجمهوري قبل أن يختطفه ناشطو جناح أقصى اليمين والذين أسموا أنفسهم في السابق “تي بارتي”، والذين يشكلون اليوم إلى جانب آخرين ممن هم على يمينهم العصب الرئيسي لتيار ترامب.
اليوم يبدوا الجمهوريون التقليديون، وبينهم الرئيس بوش ووزراء ومسؤولون وقادة سابقون في الجيش وعدد كبير من المحللين، أقلية داخل الحزب الجمهوري، بل أن بعضهم يشعر بالغربة في وسط هذا الحشد الغريب المؤيد لترامب، والذي تسيطر عليه أفكار نظريات المؤامرة والتفوق العرقي والشعبوية ومعاداة الحكومة الفيدرالية وغيرها، حتى أن شخصية مرموقة مثل وزير الخارجية السابق كولن بأول، قد أعلن مؤخرا أنه لم يعد عضوا في الحزب الجمهوري. كما أعلن حاكم ولاية كاليفورنيا السابق أرنولد شوارزنيجر نفوره من ترامب وتياره.
وهنالك الكثير من هؤلاء الذين يدلون يوميا بتصريحات في وسائل الإعلام الأميركية تعكس حجم الإحباط والذهول لما آل إليه مصير الحزب الجمهوري.
ولذلك فالسؤال الذي يدور في أروقة واشنطن، هو ما إذا كانت الحملة لإدانة ترامب في الكونغرس سوف توفر الفرصة لهؤلاء وغيرهم في داخل الحزب الجمهوري من إعادة بناء هذا الحزب على أسس سياسية جديدة، أم ينجح ترامب في شق الحزب واقتطاع تيار كبير منه تحت مسمى حزب ترامب الجمهوري، وإجبار البقية المناوئة له، إما على الانضمام إلى الحزب الديمقراطي أو الحزب الليبراتاري أو البقاء في خانة المستقلين.
قد لا تتضح الإجابة على هذا السؤال قبل انجلاء حملة الديمقراطيين في الكونغرس لإدانة ترامب وانقضاء حفل تنصيب بايدن، لكن المؤكد أن ما يجري حاليا هو فرصة سانحة للجمهوريين لاستعادة حزبهم أو ما تبقى منه.