رحمة سامي – رصيف 22 – 9 يناير 2021/
بموازاة أحداث الربيع العربي، شملت مسيرة التغيير جميع الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وبرزت قضية حجاب المرأة في دوائر العلاقات المغلقة، والصحف، والمنصات الإلكترونية، والبرامج التلفزيونية، وظهرت دعوات معلنة لمليونية خلع الحجاب، وأخرى مناهضة لها.
بعض النساء في مصر قررن التمرد، والخروج عن الخط المرسوم لهن، لكن البعض الآخر لم يحتمل النبذ المجتمعي كضريبة للتمرد، فعدن من جديد إلى هذه الدائرة المفرغة.
“زوجي يشبه أمي“
خلعت إسراء (شابة ثلاثينية تعمل في إدارة الأعمال) الحجاب بعد معارك خاضتها سبع سنوات، وكانت مغتربة في دولة قطر للعمل، وابتدأت قصة حب مع شاب مصري، عادت لتستكمل معه طقوس الزواج، ولكنها بعد عقد القران فوجئت بإصراره على العودة للحجاب.
تقول إسراء لرصيف22: “رغم أننا كنا في علاقة عاطفية، ولم يبد اعتراضاً على كوني غير محجبة إطلاقاً، بدأ يحدثني عن كرم ربنا لنا، وأن هذا يشعره بالاطمئنان، وبالتالي لم يكن أمامي خيار، فلن أكون قادرة على إنهاء الزواج”.
حاولت إسراء كثيراً إقناع زوجها بالأمر، لكن بلا أمل، تقول: “هو يعلم كرهي وشعوري بالغضب، وأن كل ما اكتسبته بعد معارك لسنوات أصبح دون معنى، على العكس أصبحت الآن مقيدة بكلام الناس، وخوفه من نظرة أهله لي، الذين كانوا يعلمون جيداً أني غير محجبة”.
وتضيف: “الغريب أنه يتبع منطق أن يرمي لي فتاتاً في بعض المواقف كي أكف عن طلبي، فأحياناً يسمح لي بخلع الحجاب إذا كنا في مناسبة أو أثناء قضاء العطلة الصيفية وهكذا”.
تنهي إسراء حديثها، عن مشاعرها التي اجتاحتها بعد العودة للحجاب، قائلة: “شعرت أني استبدلت أمي بزوجي، وبعد أن عشت حرة بعيداً عن تحكم والدتي، أصبحت أعيش هذا التحكم بشكل أكبر مع زوجي”.
نبذ اجتماعي
دافع سارة (تعمل طبيبة الآن في محافظة بصعيد مصر) للعودة إلى الحجاب مختلف عن إسراء، فقد قررت خلعه لأنها ببساطة لم تحبه، تشعر أن شيئاً ما ينقصها، ولكن واجهت في كلية الطب التي تدرس بها نبذاً مجتمعياً من زملائها، بسبب خلعها للحجاب.
تقول سارة: “استمررت دون حجاب 10 أشهر، ولكن كنت أظن أني قادرة على مواجهة المجتمع، وأن لا أحد يحدد اختياراتي، ويتحكم بها، لكن يبدو أن المجتمع كان قوياً بشكل كبير”.
في عائلة سارة، بدلاً من أن ينادونها بـ”الدكتورة النبيلة صاحبة الخُلق” بات اسمها “الابنة الفاسدة اللي تعبنا راح عليها هدر”، كما كانت تُسمعها أمها دائماً.
تتابع سارة: “تحول أسلوب الحديث من هجوم ونقض إلى استنكار ورفض دائم، وفي الكلية يمكنني الجزم أن أغلب أصدقائي أصبحوا يتحاشوني، حتى أنه في المصالح الحكومية وفرص العمل كانت نظرتهم تختلف بمجرد النظر في بطاقتي، إذ لا تزال صورتي بالحجاب، فأجد الرفض في كثير من الأحيان دون سبب مهني واضح”.
بعد مرور شهور، لم تستطع سارة أن تواصل مقاومتها، وعادت للحجاب مرة أخرى، تقول عن تلك الفترة: “أصبحت أستقبل تعليقات من نوع “احترامنا لكي زاد بعد الحجاب، ربنا هداكي ونور بصيرتك”، وحتى العلاقات المفقودة بدأت تعود تدريجياً.
وتكمل: “لستُ مقتنعة بما أفعل، ولكني أعيش حياة مزدوجة بشخصيات مختلفة أحب طبيعتي، وأكره ما فُرض علي مرة أخرى، فقط أنتظر الفرصة الملائمة للسفر حتى أستطيع البدء في مجتمع آخر لا يعرفني، ربما حينها لن أكون مضطرة للتحايل على المجتمع وعلى ذاتي”.
كورونا والخوف
“ارتديت الحجاب عشرة أعوام، خلعته بعد أن استقللت عن أسرتي في شباط/ فبراير 2019، كانت هذه أجمل فترة في حياتي، ولم أشعر من قبل بهذا القدر من الثقة في النفس، رأيت نفسي أجمل رغم الخوف والتردد، ملابسي كانت أبسط وأشيك، شعرت بأنوثتي، أو هكذا كنت أرى ذاتي”، تقول آية، شابة عشرينية تعمل في منظمة تنمية بمحافظة الغربية.
علم أفراد أسرتها بالأمر، فلم يتقبلوا ولكنهم لم يستطيعوا فعل شيء، ولأن آية من سكان إحدى محافظات الغربية، وهي منطقة ريفية، كانت زيارتها لأسرتها لا بد من أن تكون بالحجاب “عشان كلام الناس، كنت أعيش حياة مزدوجة برغبة وعلم أهلي، وبالطبع كنت مُشتَّتة”، بحسب قولها.
وتتابع: “واستمر الوضع هكذا عامين، لكن أتت جائحة كورونا لتقضي على كل خطواتي، فتوقف شغلي في مجال السياحة، وأصبحت بحاجة للعودة مرة أخرى لأسرتي، لكنها فرضت علي الحجاب مقابل ذلك، عندما رفضت تعرضت للعنف والاضطهاد في كل تصرف أقوم به”.
خضعت آية، مثل سارة، للضغوط أيضاً، وعادت إلى ارتداء الحجاب، تقول: “لم أقدر على هذا الكم من العنف، ولم أتحمل نظرة المجتمع الدونية لي، كانت أمي ترمقني، وكأني منحلة. ما زاد من الأذى النفسي هو إجباري على ارتداء الحجاب في كل مرة يأتي عريس لرؤيتي، ما يعرف بزواج الصالونات، كل هذا جعلني أعود لارتدائه مرة أخرى، لم يشفع لي بكائي يومياً أو كرهي لذاتي على العودة لخلعه”.
تخبط
تعلق اختصاصية الصحة النفسية وتعديل السلوك، الدكتورة بسمة سليم: “بعض المحجبات يرتدين الحجاب بناءً على استقرار نفسي وتدين اجتماعي، وهؤلاء يشكلن النسبة الأكبر من المحجبات، ولكن هناك نسبة أخرى ترتدي الحجاب لأسباب اجتماعية تتعلق بالرغبة في الظهور أمام الآخرين في مجتمع متدين ظاهرياً، وبالتالي الإجبار على الحجاب (في هكذا بيئة) يؤدي لعدم الاستقرار النفسي، والتخبط”.
وتحذّر سليم من مغبة الرضوخ للواقع، وتأثيره على نفسية المرأة، تقول: “من تُجبر مرة أخرى على ارتداء الحجاب، أي فرض عليها الواقع مرتين، سيحدث لها خلل نفسي في كل جوانب حياتها، وبالتالي ربما تبحث عن حيل دفاعية، وسيصبح من السهل هدم كل ما يحيط بها مثل حياة زوجية أو علمية أو غيرها”.
وتنصح سليم المجتمع بإتاحة حرية أكبر للنساء في الطريق الذي يخترنه، تقول: “إذا ترك المجتمع للفتيات حرية الاختيار والبحث عن القيم بأنفسهن؛ نتفادى طريق الهدم، والكثير من المشاكل”.