عمران سلمان – 6 ديسمبر 2020/
عقدة الذنب أو Guilt هي من أكثر الأدوات النفسية تأثيرا على الأنسان. وقد طورها البشر مع الزمن بعد أن أدركوا بأن القوة وحدها غير كافية للسيطرة على الإنسان. فالقوة مهما بلغ حجمها تظل مؤقتة ومرهونة باستمرار وجودها، بينما غرس عقدة ذنب في إنسان، تجعله تحت السيطرة لفترة طويلة وربما مدى الحياة.
المؤسسات السياسية والمؤسسات الدينية تحديدا فطنت لهذا الأمر بصورة مبكرة. ولهذا فهي طورت ترسانة هائلة من الأدوات والنصوص التي تزرع وتنمي عقدة الذنب في الإنسان، فهي تصوره على أنه ناقص بطبيعته ومخطئ باستمرار وأن عليه دائما أن يتوب أو يكفّر عن ذنب ما. بل أنها ترجع جميع إخفاقاته وعثراته إلى خطأ أو أخطاء مفترضة لا بد أنه قد ارتكبها في وقت من الأوقات. وبالطبع لا يغيب عنا هنا الفكرة المشتركة لبعض الأديان حول هبوط آدم وحواء من الجنة إلى الأرض بسبب أكلهما من الشجرة المحرمة أو فكرة الخطيئة لدى المسيحيين أو فكرة الكارما في الهندوسية.
الواقع أن عقدة الذنب لعبت بنجاح في السيطرة على الإنسان طوال التاريخ. وحيثما فشلت أساليب القوة العارية، كانت هذه العقدة كفيلة بترويض الكثير من البشر ولجم نزعاتهم المختلفة.
ولا تلتفت المؤسسات الدينية أو غيرها عادة إلى مسألة عدم التناسب بين “الخطأ” المفترض وبين “العقاب” المقابل له. بل هي تفرط في هذا الأخير بصورة فجة، إلى الدرجة التي تشل أرادة التفكير أو ربما القدرة على المسائلة لدى الأشخاص موضوع العقوبة.
فالأخطاء البسيطة مثل الأخطاء الكبيرة والتي تمارس في وقت قصير نسبيا، قد تكون موضوعا لعقاب صارم وطويل.. طويل الأمد!
والحقيقة أن مصدر قوة تلك المؤسسات لا تنبع من منطق عقدة الذنب نفسه، أو الحجج التي يقدمونها، ولكن من استعداد الإنسان للتصديق بارتكابه ذنب ما، ثم موافقته على الثمن الذي يتوجب عليه أن يدفعه كعقاب للتكفير عن ذلك الذنب.
أما في حالة مقاومة الإنسان لعملية غرس عقدة الذنب لديه، ثم في رفضه لهذا المنطق كلية، فإن سحر هؤلاء يبطل ويتبدد مع الريح.
أي أن المسألة الأساسية هنا هي في إدراك الإنسان بأن عقدة الذنب (وهي من أسوء العقد النفسية) هي مجرد مصيدة، تنصبها له عدة جهات لتحطيم وشل قدرته على التفكير بصورة مستقلة واتخاذ خياراته بحرية. الأمر الثاني هو إدراك أن هذه العقدة هي مجرد اختراع بشري ولا علاقة له بالمقدس أو ما شابه.
بالطبع يمكن للإنسان إصلاح الإخطاء التي يرتكبها، أو يمتنع عن تكرارها، وهو يجب أن يفعل ذلك، لكن من دون الحاجة إلى الشعور بعقدة الذنب. إذا كان هناك من ذنب حقيقة فهو هذه العقدة بالذات وليس شيئا آخر.