عمران سلمان – الحرة – 25 يناير 2019/
كلما تأمل الإنسان في أحوال وثقافات وأديان الأقليات المختلفة في المنطقة العربية، كلما أدرك مدى الغنى والثراء الروحي والحضاري الذي تتمتع به، وأدرك معه أيضا مدى قسوة الأكثريات وتغولها من جهة، وفداحة الخسارة التي مني بها الإنسان في هذه المنطقة من العالم جراء جهله أو تجهيله. من جهة أخرى.
خرافات وأكاذيب
أما الملاحظة الأبرز هنا فهي حجم الأكاذيب والتزييف والدعايات السوداء التي أطلقها بعض المؤرخين ورجال الدين والسياسيين بحق أديان ومعتقدات هذه الأقليات، حتى أصبح الإنسان العربي والمسلم المعاصر مستفز حين يسمع أو يقرأ أي شيء عن الدروز والأيزيديين والإسماعيليين والعلويين والبهائيين والصابئة وغيرهم. أو في أضعف الأحوال يعتبر الحديث عن ذلك مجرد ترف زائد لا لزوم له.
فأول ما يتوارد إلى ذهنه أن هذه إما أديان شركية أو طوائف منحرفة أو جماعات زرعها “الاستعمار والصهيونية العالمية” لإضعاف الإسلام والمسلمين وتشتيت قضاياهم!من المعيب أن مناهجنا مثلا لا تتضمن أي إشارة إلى مذاهب أو أديان الأقليات من أبناء مجتمعاتنا وبلسان أتباعها
والحقيقة أن الانسان العربي والمسلم معذور في ذلك. فالناس أعداء ما جهلوا. التعليم الرسمي والخطب الدينية والإعلام قلما تهتم بالأقليات في العالم العربي أو تسعى للتعريف بها، أو تقديمها بصورة إيجابية. ما نشاهده في كثير من الأحيان هو العكس من ذلك تماما. حيث الترويج للأساطير والخرافات والتدليس على هذه الأقليات، والعمل بمختلف الطرق والحيل للتضييق على أتباعها. وثمة شواهد كثيرة على التحريض ضد هؤلاء ومحاولة إيقاع الأذى بهم، لا لشيء سوى اختلافهم.
تشويه متعمد
فالبهائيون مثلا وهم من أكثر أهل الأرض طيبة ومسالمة وإبداعا، يجري اضطهادهم ومعاقبتهم على نحو مستمر في إيران وفي بعض الدول العربية مثل اليمن ومصر، بسبب دينهم. ويحسبهم بعض المتأدلجين والتكفيريين عنوة وبإصرار غير مفهوم على الشيعة، فيما يربطهم آخرون بإسرائيل بسبب وجود مقرهم الرئيسي في حيفا. وهو أمر لا يد لهم فيه، حيث نفى العثمانيون نبيهم بهاء الله إلى عكا في القرن التاسع عشر.
والدروز (أو الموحدون) وهم من أنضج شعوب الشرق روحانية، فيتم حياكة الخرافات حول معتقداتهم، ويتم اتهامهم بالاعتقاد في ألوهية الخليفة الفاطمي “الحاكم بأمر الله”، وبأنهم تارة مسلمين “مرتدين” وتارة غير مسلمين.
أما الأيزيديون وهم أكثر الشعوب في هذه المنطقة اتصالا بالطبيعية وإدراكا لأهميتها، فيجري تشويه ديانتهم بصورة متعمدة، ولم تتوقف حملات الإبادة الجماعية ضدهم، والتي كان آخرها الحملة التي قادها تنظيم داعش.
بارومتر التحضر
ما أوردته هنا مجرد أمثلة، والقائمة تطول، لكن المغزى الحقيقي لقضية الأقليات ليس في حجمهم العددي أو مدى تأثيرهم في أوضاع بلدانهم، وإنما في كون التعامل معهم سواء من قبل الحكومات أو مجتمعات الأكثرية، يعتبر بارومترا يقيس مدى تحضر أو تخلف هذه المجتمعات.
إن طريقة التعامل معهم تعطي مؤشرا لا تخطئه العين، على نوعية الحياة في هذه المجتمعات، وهو يكشف المدى الذي يمكن أن تذهب إليه في التعامل مع المختلفين والمخالفين من مذاهب وأديان أخرى أو حتى من داخل نفس المذهب أو نفس الدين.
ليس صدفة أن نسبة لا بأس بها من العرب والمسلمين لا تحبذ الحديث عن الأقليات الموجودة بين ظهرانينا أو الاستماع إلى معاناتها، لأن ذلك ببساطة يظهر الجانب المخفي في شخصياتنا. فنحن نشتكي باستمرار من ظلم حكوماتنا، ولكننا لا نتحرج عن ظلم من هم أضعف منا إذا وجدنا إلى ذلك سبيلا.
وبالطبع نحن نريد لقصة ظلم حكوماتنا أن تستأثر بكل الاهتمام، ولا نريد لمشاكل الأقليات أن تزاحم مشاكلنا أو تصرف الانتباه عنها. رغم أن الوقوف إلى جانب الأقليات المضطهدة هو شرط أساسي لأي تمدن أو نهضة منشودة في بلداننا.
مطلوب مبادرات حكومية
طبعا الحديث عن الأقليات هنا ليس الهدف منه استرجاع الماضي أو تبرير البحث عن أسباب انتقامية وإنما هدفه استشراف المستقبل. وأفضل وسيلة لذلك أن تتولى الحكومات الحالية زمام المبادرة وأن تبادر إلى معالجة هذه القضايا على أساس العدل والمواطنة، ويبدأ ذلك من التعليم.تعامل الدول مع مواطنيها هو المعيار الأساسي للتعامل الحقيقي معها من قبل دول العالم
من المعيب أن مناهجنا مثلا لا تتضمن أي إشارة إلى مذاهب أو أديان الأقليات من أبناء مجتمعاتنا وبلسان أتباعها، بهدف التعريف بها وغرس قيم التسامح والمساواة والعدالة في نفوس الأطفال.
من الإشارات أو اللفتات المناسبة كذلك أن تقوم دول المنطقة بالاعتراف رسميا بالأديان والمذاهب الأخرى، وتعمل على إصلاح ما لحق من دمار بأماكن عبادتها ومعالمها الدينية والثقافية وإنهاء كافة أشكال التمييز ضد أبنائها.
على سبيل المثال لا أفهم لماذا لا تتولى الحكومة العراقية زمام المبادرة في مساعدة الأيزيديين في إعادة بناء ما دمره تظيم داعش والأنظمة العراقية السابقة. ولا أفهم لماذا تواصل الحكومة الإيرانية ظلم واضطهاد البهائيين بدلا من الاعتراف بديانتهم ومعاملتهم بوصفهم مواطنين إيرانيين لهم نفس حقوق باقي المواطنين.
لا يمكن لدول المنطقة أن تطالب المجتمع الدولي باحترامها وتقديرها في الوقت الذي تقوم هي بالتمييز ضد مواطنيها على أساس الدين والطائفة. فتعامل الدول مع مواطنيها هو المعيار الأساسي للتعامل الحقيقي معها من قبل دول العالم. أما العقود والتجارة وشركات الدعاية والعلاقات العامة فهي مجرد مصالح ونفاق وعمليات تجميل سرعان ما تتبخر عند أول أزمة.