عمران سلمان – الحرة – 20 مارس 2020/
التزاحم الجنوني على المحلات الغذائية والصيدليات هذه الأيام بحثا عن كل ما يؤكل أو يشرب أو يصلح للتخزين والوقاية والعلاج الأولي، معطوف عليها الاحتياطات والإجراءات الشخصية والمجتمعية “التي لا مثيل لها” في مواجهة فايروس كورونا.. هي كلها مظاهر تدل على شيء واحد، وهو أن الإنسان يتجنب المرض، خشية من الموت.
الخوف من الموت
يستوي في ذلك من يؤمن بوجود جنة ونار، ومن لا يؤمن بذلك. من يعتقد بأنه عمل ما يكفي لترجيح كفة الجنة ومن يعتقد بأن عليه عمل المزيد لتجنب النار. ومن لا يكترث بهذه المسألة أصلا.
فالخوف من الموت هو طبيعة بشرية، لا علاقة لها بما سوف يحدث بعده. فلا يوجد إنسان مهما بلغ مدى يقينه بسيناريو بعد الموت، يمكن أن يقدم طوعا على تعريض نفسه لهذه التجربة.
هذا الأمر يقودنا إلى استنتاج، وهو أن الحرص على الحياة هو شأن عظيم بالنسبة إلى الإنسان، وبالتالي من المفترض أن نرى مظاهر هذا الحرص تتجلى في الدول والمجتمعات في مختلف الأوقات وتحت جميع الظروف.
الأمر المؤسف هو أن الحرص على الحياة لا يخرج من الإطار الشخصي، إلى الحيز العام المتمثل في الحرص على الآخرين الذين يشاطروننا المكان والزمان نفسه. وأنه رغم مظاهر “الفزعة” و”النخوة” أحيانا، فإنها سرعان ما ترتد إلى مفردات ومسوغات تغلب الشأن الخاص أو “الأنا” العقائدية أو الدينية أو القومية.
الأمراض تهزأ باختلافاتنا
من البديهيات أن الأمراض لا تفرق بين إنسان وآخر، وهي لا تكترث بدين أو جنسية أو لون أو عرق البشر. ومن ثم فالتعامل معها لا ينبغي أيضا أن يأخذ في اعتباره هذه الفروق، التي لا تصلح على أية حال، مادة للتمايز والغلبة أو الاستهداف، أيا كان الدافع وراء ذلك. ومن باب أولى أن يتذكر الإنسان نفسه، أن الحرص على الحياة غريزة لدى جميع البشر، وأنه ليس فريدا في ذلك. بل عليه أن يتصور أن حياته ليست أثمن أو أغلى من حياة الآخرين، حينما يوضع ذلك ضمن مقاييس الحياة في معناها العام والشامل والذي يتجاوز العقائد والقضايا الإيمانية أو ما شابه ذلك.
هذا الحديث مهم لأن كثيرا من الناس ينسى الحقيقية البديهية، التي أيقظنا عليها الفايروس كورونا، وهي وحدة الجنس البشري، ويصر على التصرف كما لو أن هناك بشر درجة أولى وبشر درجة عاشرة، تبعا لانتماءاتهم.
الذكرى تنفع الإنسان
إن الخوف من الموت والرغبة في الحياة توحد تقريبا جميع البشر. وعند هذه النقطة تتضائل الفروقات والاختلافات الدينية والمذهبية والقومية والعرقية، بل تتضائل الخلافات والنزاعات الأخرى. ويعجب الإنسان، ويتسائل: هل كنا بحاجة حقا إلى فايروس كورونا لكي ينبهنا إلى هذه الحقيقة؟
هل نحن بحاجة إلى وباء عالمي لكي ندرك أن أي إنسان يعيش في أية بقعة من بقاع الأرض يتصل بنا بشكل من الأشكال وأن ما يصيبه يصلنا بصورة لا نتخيلها أحيانا؟
بالطبع لا ينطبق ذلك على البشر فقط. الحقيقة أن النبات والحيوان وكل ما هو موجود على وجه الأرض يشترك معنا في دورة الحياة الطبيعية، وأن أي ضرر يقع عليها، ينعكس بصورة أو بأخرى على نمط حياتنا، عاجلا أو آجلا. وهذا هو المنطق الذي يحرك العديد من الناشطين والناشطات حول العالم للدفاع عن/أو حماية نوع يكاد ينقرض هنا أو هناك.
طبعا قول ذلك أسهل بكثير من تطبيقه. وأن إدراك حقيقة وحدة الجنس البشري عقليا ووجدانيا، تختلفا عن إدراكها عمليا. لأن الإنسان وبعد انقضاء الأزمات، سرعان ما يعود إلى حالته الأولية وينسى الدروس المستخلصة من تلك الأزمات. لكن من المهم التذكير بما أن الحياة كلها هي عبارة عن عملية تذكر وتذكير. ولعل الأزمة العالمية الحالية مع كورونا، هي من هذه الزاوية، محاولة لتذكيرنا جميعا ببعض بديهيات الحياة التي نسيناها أو تناسيناها.