كورونا والراسخون في نظرية المؤامرة!

عمران سلمان – الحرة – 13 مارس 2020/

الإيمان بنظرية المؤامرة أو تصديقها هو نتاج الشعور بالعجز في مواجهة الواقع. العجز عن فهم الواقع والعجز عن التكيف معه والعجز عن تغييره.

عالم الوهم

والإنسان الذي يؤمن بنظرية المؤامرة هو في العادة إنسان عالق أو محصور بين عالمين، عالم الواقع وعالم الوهم. إنه موجود نفسيا على حافة هذين العالمين، يتأرجح بينهما جيئة وذهابا. فكلما كان العالم الحقيقي ضاغطا وعنيفا ومعقدا، كلما انزلق الإنسان إلى عالم الوهم، مستجيرا به ومستعيرا أدواته وأبرزها اللوم والإكثار من الأعذار في مواجهة العالم الحقيقي.

وعلى العكس من ذلك، فكلما كان هذا العالم الأخير ودودا وخفيف الوطأة ومحتضنا للجميع، كلما ابتعد الإنسان عن حافة عالم الوهم وبات أكثر قابلية للتعامل مع مشكلات الواقع الحقيقي.يتخلى الناس طوعا عن تعليمهم الحديث في مقابل اللجوء إلى الخرافة والاعتقادات الغامضة

لكن في غالب الأحوال فإن معظم الناس ينجحون في التكيف مع العالم الحقيقي ومواجهة تعقيداته، فيحفظون سلامتهم النفسية والعقلية، لكن بعض الناس يفشلون في ذلك فيغوصون أكثر في عالم الوهم، وبعضهم ينتهي به الأمر إلى المرض النفسي.

والأحداث التي تجري على العالم في كل حين، تقدم لنا نماذج واضحة على ذلك، من خلال رصد ردود الأفعال عليها وكيفية التعامل معها.

إدمان المؤامرة!

فيروس كورونا الذي ينتشر اليوم في جميع دول العالم تقريبا، كان ولا يزال موضوعا لعدد لا حصر له من نظريات المؤامرة. ورغم جهود العقلاء والمختصين والأطباء لتبديد تلك النظريات وحصر الأمر برمته في الجانب العلمي والبيولوجي، لكن من دون طائل. بل أن بعض العالقين في عالم الوهم والمدمنين عليه يدرجون هؤلاء المختصين والأطباء أنفسهم ضمن نظرية المؤامرة، على النحو الذي يجعل كل إمكانية للحديث أو النقاش مقطوعة.

وفي ظل انفجار أدوات التواصل الاجتماعي، يصبح أي شخص يتحدث للناس في أي ركن من أركان الأرض، مصدرا “موثوقا” للمعلومات يتسابق الناس على تصديقها وترويجها!

بل أن الأدهى والأمر هو أن المؤمنين بنظرية المؤامرة يجيرون ذلك لصالح التصورات المسبقة لديهم، ويستخدمونها في حروبهم الدونكيشوتية.

سطوة الخرافة

طبعا كان لفيروس كورونا أيضا جانب آخر، يتعلق بحجم قدرة الخرافة على تشطير الوعي الجمعي للناس، وجرهم إلى سوية التفكير البدائية. فبعض المسلمين الشيعة انشغلوا بقدرة الدعاء أو ذكر الإمام الحسين على مواجهة الكورونا، فيما انشغل بعض المسيحيين في لبنان بقدرة القديس مار شربل على شفاء المرضى عبر استخدام التراب المأخوذ من قبره.

وفي الحالتين، بل وفي الحالات الكثيرة المشابهة التي لا نعرف عنها، يتخلى الناس طوعا عن تعليمهم الحديث وعن مؤسساتهم الرسمية، في مقابل اللجوء إلى الخرافة والاعتقادات الغامضة.نظرية المؤامرة تبدو أعقد من مجرد تصديق بعض الآراء الشاذة

شخصيا لست ضد فكرة الكرامات أو قدرة الأولياء والمصلحين على مساعدة الناس في وقت الأزمات والمحن، وإن ضمن فهم خاص وشروط معينة أو ضمن ترك مساحة معقولة لما هو مجهول، لكن على الإنسان الحديث إجمالا أن لا يهمل معطيات العلم وجهود العلماء والأطباء في هذا الجانب، وبالطبع أن لا يروج لتلك القدرات التي من الواضح انها ليست أكثر من قابلية الأشخاص أنفسهم للإيمان بما تأتي به، وترجمة ما يرونه أو يسمعونه بما ينسجم مع الاعتقادات المسبقة الموجودة لديهم.

تغريدة الصدر

والحال أن نظرية المؤامرة تبدو أعقد من مجرد تصديق بعض الآراء الشاذة أو قبول الإنسان برهن عقله لكل من هب ودب. إنها تكشف عن ميل عميق لدى الإنسان بأن يكون له رأي أو دور أو مساهمة في كل شأن، صغيرا كان أم كبيرا، حقيقيا أو متوهما.

ولا توجد حدود أو قاع يمكن الوصول إليه هنا، فالمسألة قد تتخطى أي حد أو مدى مما يمكن اعتباره أو الاتفاق عليه بوصفه منطقيا أو مقبولا عقليا.

ولعل أطرف ما قرأت مؤخرا في هذا الجانب هو تغريدة الزعيم الشيعي العراقي مقتدى الصدر التي اتهم فيها الولايات المتحدة بنشر فيروس كورونا وقال “إن أغلب من يعانون منه هم معارضون لأميركا..”.

طبعا كثيرون سخروا ويسخرون من هذه التغريدة، لكن هناك كثيرون أيضا مستعدون لتصديقها وترويجها، إما لأنها تنسجم مع قناعاتهم السياسية أو العقائدية المعادية للولايات المتحدة، وإما لأنها تتوفر على جميع المواصفات المطلوبة لتندرج في إطار نظرية المؤامرة.

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *