حرب الإشاعات تغرق الإنترنت!

عمران سلمان – الحرة – 27 مارس 2020/

لا يعادل سرعة انتشار فيروس كورونا حول العالم، سوى سرعة انتشار الإشاعات والأخبار المزيف عنه عبر وسائل التواصل الاجتماعي، التي بات بعضها يعج بالقص واللصق والتركيب والاستعانة بأرشيفات الفيديو والتصريحات القديمة وربطها بصورة تبدو “محكمة” لخلق سياق راهن يسهل تصديقه.

آثار وخيمة

البعض قد يعتبر أن هذا النوع من الإشاعات، ليس أمرا خطيرا، وأنه سرعان ما يتبخر مع قدوم اليوم التالي. لكن الحقيقة والتاريخ الموثق يقولان خلاف ذلك. ففي تقرير نشرته خدمة بلومبيرغ يوم السبت الماضي (21 مارس)، أوضحت فيه أن هناك مخاوف جدية من أن ما ينشر حول فيروس كورونا قد يؤدي إلى حدوث انقسام بين المجتمعات.
وتطرق التقرير إلى الأنباء التي تفيد بتزايد جرائم الكراهية في الولايات المتحدة ضد الأميركيين من أصل آسيوي والآسيويين بصورة عامة، بسبب ربط فيروس كورونا بالصين أو تسميته بالفيروس الصيني.

أي شخص تصله مثل هذه الإشاعات بإمكانه على الأقل اللجوء إلى الشك والتريث قبل أن يقوم هو الآخر بإرسالها إلى غيره

وينقل التقرير عن أحد المسؤولين في مؤسسة تعني برصد جرائم الكراهية ضد الآسيويين (إيشيان أميركان أدفانسينغ جاستيس) قوله إنه قبل انتشار كورونا كانت تصل المؤسسة شكوى واحدة تقريبا كل أسبوع، بينما وصل الرقم حاليا إلى ثلاث أو أربع شكاوى في الأسبوع.
كما يؤكد التقرير أن الأمر لا يقتصر على الولايات المتحدة فقط. ففي بريطانيا هناك ارتفاع حاد لجرائم الكراهية ضد الآسيويين. وكذلك الأمر في أثيوبيا، حيث طالبت الحكومة مواطنيها بالكف عن مهاجمة الأجانب البيض والآسيويين، في حين أنحى رئيس الوزراء الهنغاري باللائمة على الأجانب في انتشار الفايروس.

جزء من الحرب

طبعا جانب من نشر هذه الإشاعات “بريء” وهو يتم بدافع الدعابة والمزاح، لخلق أجواء تخفف عن الناس وطأة الوباء والآثار المترتبة عليه. لكن هناك جانب آخر لا يتعلق بالدعابة، وإنما هو امتداد لتصفية الحسابات السياسية بين الدول والحكومات. فهو يتم بتنظيم وتمويل من أجهزة الدعاية والمخابرات في هذه الدول بهدف الابتزاز أو تشويه السمعة أو تحقيق أغراض سياسية معينة.

ولعل من يتابع ما ينشر على بعض وسائل الإعلام الصينية والروسية والإيرانية والأميركية والعربية هذه الأيام، يدرك بوضوح أن حرب الإشاعات ما هي إلا استمرار للحرب التقليدية، ولكن بوسائل أخرى، وأن الفيروس كورونا يستخدم هنا وسيلة، إذا جاز التعبير، لركوب موجة مخاوف الناس، من أجل حشد المواقف وتوجيه الرأي العام وممارسة الضغوط وأحيانا التضليل والحط من شأن الخصوم.
ولا يتوقف الأمر بالطبع عند كورونا، فحرب الإشاعات كانت وسوف تظل موجودة، لأنها جزء مهم من وسائل التأثير على وعي الناس.

التحقق من الإشاعات

والسؤال الذي ينبغي طرحه هو: ما هو دور الإنسان في التعامل مع هذه الإشاعات؟ وكيف يستطيع أن يعرف الحقيقة من الخداع؟
لا شك أن التمييز هنا بين ما هو حقيقي وما هو غير ذلك، ليس بالأمر السهل دائما، أحيانا يحتاج ذلك إلى جهد ووقت. وفي عالمنا العربي حيث كثير من السكان لا يجيدون اللغات الأجنبية، يصبح الاعتماد على الترجمة مصدرا لتسلل المروجين للإشاعات. ويدرك المروجون أن معظم الناس لا يملكون القدرة أو الآلية أو الحافز للتحقق، لذلك فهم يتعمدون الاستعانة بكثافة بالمصادر الأجنبية، للإيهام بأهمية ما هو مكتوب. ولا يوجد شيء يمنعهم من فبركة الترجمات وقول ما لم يرد على لسان المتحدثين، أو نسبة تصريحات إلى أشخاص لم يقولوها.

هناك جانب آخر لا يتعلق بالدعابة، وإنما هو امتداد لتصفية الحسابات السياسية بين الدول والحكومات

لكن أي شخص تصله مثل هذه الإشاعات بإمكانه على الأقل اللجوء إلى الشك والتريث قبل أن يقوم هو الآخر بإرسالها إلى غيره أو الترويج لها بأية طريقة من الطرق. ويمكنه ببساطة أن يقوم ببحث بسيط على أبرز المواقع الإخبارية الرسمية أو وكالات الأنباء الأجنبية، كي يتأكد من مدى صدق أو كذب تلك الإشاعات.
بمعنى آخر يستطيع أي شخص أن يأخذ ما يشاء من الاحتياطات قبل أن يجعل من نفسه فريسة سهلة لمروجي الإشاعات. وأعلم أن كثيرين يحرصون على عدم الوقوع في شباك هؤلاء، لكن للأسف البعض يقع في ذلك، سواء بحسن نية أو بسوئها.

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *