مذبحة نيوزيلندا وخطاب التفوق العرقي

عمران سلمان – الحرة – 22 مارس 2019/

الإرهابي الذي قتل المسلمين في نيوزيلندا والإرهابيون الذين يقتلون المسلمين والمسيحيين واليهود والبهائيين وغيرهم في بلدان العالم المختلفة، ليسوا من يطلقون الرصاص، ولكن من يغرسون بذرة العنف والكراهية في نفوس هؤلاء.

التباهي بالقدرة على القتل

كثيرون تساءلوا عن دوافع الإرهابي الأسترالي الذي نفذ المذبحة بحق المصلين في مسجدي نيوزيلندا، بهدف معرفة الأسباب التي قادته إلى هذا العمل.

لكنه وبخلاف إرهابيين آخرين، لم يسع إلى إخفاء شيء. بل إنه قدم لكل من أراد الاطلاع على مخططه ما يكفي من المعلومات من خلال بيان طويل أبرز فيه وجهة نظره وما كان يعتزم القيام به والأفكار والأيديولوجية التي ساقته إلى ذلك.العنف يبدأ من غرس فكرة ” التفوق” أو “الاستعلاء” في النفوس

​​بمعنى آخر، فقد قام بفعلته عن كامل وعي وتصميم وتخطيط وانطلاقا من عقيدة راسخة لديه بأن الأجانب (المسلمون في هذه الحالة) أو غير البيض عموما، يغزون أراضي “الرجل الأبيض” ويستولون عليها، ومن ثم يجب التخلص منهم بأية طريقة، سواء عبر قتلهم مباشرة أو إخافتهم لإجبارهم على الهروب.

الخطاب المعادي للمهاجرين

لكن المسألة لم تبدأ عنده. ثمة خطاب في الغرب، سواء في أميركا أو أوروبا أو أستراليا يعمل على شيطنة المهاجرين ويلصق بهم جميع الأوصاف والنعوت السيئة ويكاد يكون عنصريا في النظرة إلى الآخر. وهو خطاب قديم وكان هامشيا فيما مضى، لكنه اكتسب قوة دفع في السنوات الأخيرة جعلته يتصدر المشهد السياسي. هذا الخطاب يتذرع بما يصفه بالخطر المحدق الذي تشكله الهجرة والمهاجرين على المجتمعات الغربية، لاتخاذ أقسى الإجراءات والأساليب غير الإنسانية ضدهم.

لكن الأخطر هو الأفكار والأيديولوجية والرسالة الإعلامية التي يقوم بنشرها والتي أصبحت تتقاطع بوضوح مع أفكار النازيين الجدد ودعاة التفوق العرقي للبيض وغيرهم من المهووسين بعقيدة “النقاء العرقي” و”البديل” وما شابه.

في الولايات المتحدة مثلا فإن مسألة الهجرة غير الشرعية وتسلل المهاجرين عبر الولايات الأميركية الجنوبية ليست جديدة، ومعظم الإدارات واجهت هذه المشكلة وسعت، كل بحسب مقاربتها، لمعالجة هذه الأزمة. لكن ما نشهده اليوم هو ليس مجرد محاربة للهجرة غير الشرعية، وإنما تحول الأمر لدى البعض إلى الموقف من المهاجرين أنفسهم، من جنسياتهم وثقافتهم وخلفياتهم العرقية.

بمعنى آخر أن ما بدا أنه مجرد أزمة أو مشكلة أمنية تتعلق بضبط الحدود، تحول إلى مسألة ثقافية ووجودية.

بذور العنف وثماره

ذكرت في مقال سابق بأن الحروب لا تبدأ مع انطلاق المدافع أو زخات الرصاص. حين يحدث ذلك يكون الوقت قد تأخر بالفعل. الحروب تبدأ أولا في العقول والنفوس ثم مع الوقت وتوفر الظروف المناسبة تتجسد على أرض الواقع. وينطبق ذلك على العنف أيضا فهو يبدأ من غرس فكرة ” التفوق” أو “الاستعلاء” في النفوس، وينتهي بأن يصبح هناك “بشر أرقى” ينبغي أن يسودوا و”بشر أدني” يستحسن أن يبادوا..

وهذه المسألة عابرة للأديان والثقافات والبلدان. فإرهابيو داعش مثلا يؤمنون بنفس عقيدة الإرهابي الأسترالي الذي قتل المصلين في نيوزيلندا. الفرق هو أن هذا الأخير يؤمن بفكرة التفوق العرقي، بينما إرهابيو داعش يؤمنون بنظرية التفوق الديني.

الأول يريد أن يخلص الغرب من المهاجرين ومن لا ينتمون إلى العرق الأبيض، بما في ذلك المسيحيين غير البيض (المهاجرون من المكسيك وأميركا الجنوبية غالبيتهم مسيحيون كاثوليك) والثاني يريد أن يخلص “ديار المسلمين” من كل من لا يدين بعقيدته، بما في ذلك المسلمين وغير المسلمين.

المعالجة الأمنية وحدها لا تكفي

هذا يجعلنا نقول بأنه إذا كان هناك من يريد فعلا منع وقوع الأعمال الإرهابية، فلا يجب الاكتفاء بالأساليب الأمنية وحدها. ففي عالم اليوم المعقد تصعب السيطرة الأمنية على ملايين البشر الذين ينتقلون بسهولة من مكان إلى آخر، ويوجد تحت تصرفهم أجهزة إلكترونية حديثة وشبكات للتواصل الاجتماعي، وفي بعض البلدان ما يكفي من العتاد العسكري أيضا.إرهابيو داعش مثلا يؤمنون بنفس عقيدة الإرهابي الأسترالي الذي قتل المصلين في نيوزيلندا

​​المعالجة الأكثر أهمية وفائدة على المدى البعيد هي مواجهة خطاب الكراهية ومعاداة الآخر، والكف عن إعطاء قضية الهجرة والمهاجرين بعدا ثقافيا أو دينيا أو عرقيا، وإعادتها إلى ساحتها الأصلية بوصفها قضية أمنية وإدارية، تحل عبر التشريعات والقوانين وأجهزة إنفاذ القانون، وليس عبر أجهزة الإعلام أو الخطابات السياسية التي تنضح بالتحريض على كراهية الآخر، وإشاعة الذعر في نفوس الناس من هذا الآخر.

إن هذا السلوك الأخير منح الإرهابي الأسترالي وأمثاله الاعتقاد بأن أفكارهم المريضة لها ما يبررها وأنهم ليسوا وحدهم في الميدان.

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *