عمران سلمان – الحرة – 29 مارس 2019/
العلاقات بين إيران والعراق كانت على الدوام موضوعا إشكاليا ومعقدا بالنسبة لكثير من الباحثين. فعلى الرغم من عوامل الجيرة والتاريخ والدين، فإنه من النادر أن توصف هذه العلاقات بالطبيعية.
العراق ليس تابعا لإيران
شخصيا أجد صعوبة في تقبل فكرة أن العراق خاضع كليا للنفوذ الإيراني، على نحو ما يصوره بعض المحللين أو الناشطين السياسيين.
بعض هؤلاء حينما يتحدث عن هذا الموضوع يعتبر أن الهيمنة الإيرانية أو النفوذ الإيراني الساحق في العراق هو من المسلمات التي لا تقبل الشك أو النقاش. وبعض هؤلاء يجادل على نحو يشي بأنه يريد ويتمنى وجود مثل هذا النفوذ، حتى وإن لم يكن الأمر كذلك بالفعل.
بيد أن النظرة الأعمق، تكشف أن ثمة تعقيدا كبيرا يحيط بالموضوع. وأن حكاية النفوذ الإيراني، ليست شيئا منتهيا.رغم القرب الديني والمذهبي، فإن للعراق شخصية مختلفة عن إيران
فمن ناحية هناك أحزاب سياسية ومجموعات عراقية مسلحة قريبة أو مدعومة من إيران ـ بعضها تشكل بالعودة إلى ظروف تاريخية معينة وبعضها استجد حديثا. ومن ناحية أخرى هناك مزاج عام لدى قطاع واسع من العراقيين، لا يرى في إيران الحالية نموذجا له، سواء في الحكم أو الحياة الاجتماعية.
ولعل الانتخابات الأخيرة التي فازت فيها كتلة التيار الصدري المتحالفة مع الشيوعيين، وكانت مناهضة الخط الإيراني أحد أبرز أجندتها، تعطينا مؤشرا واضحا على أن النفوذ الإيراني في العراق له حدود. وأنه لا يمكن الحديث هنا عن سيطرة إيرانية شاملة أو ما شابه ذلك.
وبصورة عامة فإن العادات والتقاليد والثقافة والعقلية العراقية تختلف بصورة كبيرة عن نظيرتها في إيران، سواء تعلق الأمر بالعشائر العراقية في الجنوب والوسط والشمال أو النخب العراقية المدينية.
علاقات ممتدة عبر التاريخ
لا ينفي ذلك طبعا أن للإيرانيين مصالح ووجود في العراق. لكن لا تجب المبالغة في ذلك أيضا. وهذه المصالح أو الوجود على أية حال ليست وليدة اليوم أو من صنع جيل السياسيين العراقيين الحالي.
كتب التاريخ تخبرنا بأن العراق كان طوال الـ 500 سنة الماضية على الأقل، واقعا إما تحت النفوذ الإيراني أو العثماني. فحين تسيطر إيران فإنها تجلب أنصارها إلى الحكم في بغداد، وحين تسيطر تركيا تفعل الشيء نفسه.
وعبر السنوات تشكلت بالطبع مصالح وروابط ثقافية وسياسية ومصلحية بين الشعبين، بغض النظر عن طبيعة الأنظمة السياسية التي حكمت في البلدين.
ويشكل الانتماء الديني أو المذهبي والجوار الجغرافي عاملا مهما في هذه العلاقات. وما يلفت النظر هنا أن العراق شكل على مدى قرون وجهة طبيعية للشخصيات الدينية أو السياسية غير المرغوب فيها والتي تريد طهران إبعادها عن البلاد. حدث ذلك في العصر الحديث مع آية الله الخميني وقبله بحوالي قرن مع مؤسس البهائية بهاء الله وغيرهم.
وحتى خلال عصور الدول الإسلامية المختلفة وجد كثير من العلماء ورجال الدين والفقهاء و”المثقفين” الإيرانيين طريقهم إلى بغداد وغيرها من المدن العراقية، حيث استقروا وعاشوا فيها. كما حدثت هجرة معاكسة خلال نظام حكم صدام حسين، حيث وجد كثير من العراقيين أنفسهم في إيران.
الاستثمار في استقرار العراق
ولا شك أن النظام الإيراني الحالي يستفيد من هذه العلاقات الدينية والتاريخية والثقافية المتشابكة لضمان عدم وجود نظام في بغداد معاد له. بيد أن ذلك شيء والحديث عن أن العراق أصبح لقمة سائغة لإيران أو أن الأخيرة بصدد ابتلاع العراق، شيء آخر.
شخصيا أعتقد بأنه رغم القرب الديني والمذهبي، فإن للعراق شخصية مختلفة عن إيران. ولا أتصور أن هذا الاختلاف سوف ينتهي يوما ما.
وبقدر ما تستثمر الحكومات العربية في استقرار العراق واحترام إرادته ومساعدته على النهوض سياسيا واقتصاديا، بقدر ما تساعد العراقيين على إعادة النفوذ الإيراني إلى حجمه الطبيعي.
للأسف فإن تجارب السنوات الماضية لا تدلل على جود قناعة حقيقية في هذا الاتجاه وإن كانت قد اتخذت خطوات مشجعة في هذا الجانب.أجد صعوبة في تقبل فكرة أن العراق خاضع كليا للنفوذ الإيراني
إن التوقعات بأن العراق يستطيع أن يدير ظهره إلى إيران فجأة أو أن يصبح ضمن محور الداعين إلى إسقاط النظام الإيراني، ليست واقعية أو حقيقية، والإصرار عليها من شأنه أن ينتج آثارا عكسية. لكن الواقعي والممكن هو المساعدة على خلق حالة من التوازن الإيجابي في العلاقات.
وقصارى القول إن إيران، مثلها مثل باقي الدول الأخرى تعمل على إيجاد موطئ قدم ثابت لها في العراق، تساعدها في ذلك بعض الجماعات، لكن العراق نفسه أبعد من أن يكون تابعا لإيران. وسوف يعزز الاستثمار السياسي العربي واستمرار انحسار ملف التهديدات الأمنية الداخلية هذا الاتجاه مع الوقت.