عمران سلمان – الحرة – 5 أبريل 2019/
العالم يكاد أن يصبح بالفعل مكانا شديد الخطورة، مع الانفلات المتزايد للغرائز البدائية لدى السياسيين من أصحاب القرار والانكشاف الكبير للقوة العارية والهدم المنظم للقوانين والأعراف الدولية.
سيادة القوة ومنطقها
فحيثما جلنا بالنظر في مناطق العالم المختلفة، ثمة شعور بأن منطق القوة في سبيله إلى أن يصبح هو المعيار الأساسي في العلاقات بين الدول وفي العلاقة بين الحكومات وشعوبها. فليس هناك رادع أو حدود لاستخدام أدوات العنف، سواء اللفظي منه أو المادي. ولم يعد أحد يكترث بالمنظمات الدولية أو بقراراتها أو بانتقاداتها.
والشرق الأوسط رغم أنه الميدان الكبير الذي تمارس فيه القوة منطقها بأوضح صورة وأكثرها فجاجة، إلا أنه ليس استثناء في هذا المجال. ففي مختلف المناطق، من آسيا إلى الأميركيتين إلى أوروبا وأفريقيا لا يعدم الإنسان رؤية أمثلة ونماذج على محاولات فرض الإرادة السياسية بالقوة.جعل العالم مكانا شديد الخطورة، لا يجلب الأمان لأحد
وقرار إدارة الرئيس ترامب فيما يخص الجولان السوري أو قراراته الأخرى المتعلقة بالنزاع الفلسطيني الإسرائيلي، ليست سوى إحدى التجليات لهذا المنطق. وهذا المنطق نفسه تطبقه دول عديدة في الإقليم، وإن بأشكال وأساليب مختلفة بحق جيرانها الأضعف أو الذين تستضعفهم.
تعميم ثقافة التوحش
الميدان الآخر الذي تمارس فيه القوة هو العلاقة بين الحكومات العربية ومعارضيها ومع المنتقدين لسلوكها من الناشطين سواء الحقوقيين أو السياسيين.
فحتى وقت قريب كانت ثمة حدود وضوابط لهذه العلاقة. لم تكن الحكومات أكثر رحمة بهؤلاء. ولكنها كانت أكثر حذرا في معاقبتهم. وكان للرأي العام الدولي دوره في كبح حتى أشد الأنظمة قمعا وإجراما.
وكان من النادر توجيه تهم الخيانة العظمى مثلا للمعارضين أو الزج بالمنتقدين في السجون واتهامهم بالإرهاب لمجرد إبداء الرأي.
لقد أصبحت هذه التهم وغيرها كثير بمثابة فرمانات جاهزة لإلصاقها بكل من تريد الحكومات معاقبته وإسكاته من دون خشية من أحد أو وضع اعتبار لأية قاعدة أو قانون.
ليس ذلك فحسب، بل إن هذه الحكومات عممت هذا النوع من التوحش بصورة أفقية داخل المجتمع. بحيث صار مطلوبا من مؤيديها أن يتبنوا نفس المقاربات تجاه الخصوم السياسيين. فالبرلمانات تشرع لقوانين التوحش والإعلام الحكومي أو الدائر في فلكه وامتداداتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، يبررون هذه القوانين ويتوعدون الخصوم، وأجهزة الأمن من جهتها لا ينقصها الحماس والرغبة في تطبيق هذه القوانين وإنفاذها على أرض الواقع.
إعادة الزمن للوراء
ما يتعين علينا جميعا أن ندركه هو أن جعل العالم مكانا شديد الخطورة، لا يجلب الأمان لأحد. وهو لن يتوقف فقط عند الخصوم السياسيين أو المعارضين، ولكنه سرعان ما يصبح ثقافة عامة. وعاجلا أو آجلا سوف تتبنى المعارضات هي الأخرى ثقافة التوحش هذه وتتصرف على أساسها.
لقد توصل العالم بعد حربين كونيتين مدمرتين إلى ضرورة وضع شرائع ومواثيق متفق عليها لتنظيم العلاقات بين الدول وداخل الدولة الواحدة، وبصورة تكفل احترام حق الإنسان في الحياة وفي صون حرياته وحقوقه الأساسية وتحل النزاعات بين الدول بصورة سلمية أو تقلل من العنف الناجم عن تلك النزاعات.عممت الحكومات العربية هذا النوع من التوحش بصورة أفقية داخل المجتمع
بالطبع لا يوجد دليل على أن العالم سار إلى نهاية الشوط في هذا المجال، لكن القيمة الأخلاقية الكبرى للالتزام بتلك الشرائع والمواثيق، ساعدت الحكومات والشعوب على الحد من التطرف في المعالجات وفي توفير أرضية مشتركة يمكن الوقوف عليها لحل الخلافات والمنازعات الناشئة.
ما يجري اليوم هو محاولة لإلغاء تلك الحقبة وإعادة العالم إلى أجواء ما قبل الحربين، وبحيث يتصرف القوي وفق منطقه الساعي للسيطرة على كل شيء، ومن دون أن يترك فرصة لخصومه أو معارضيه كي يحتكموا إلى أي قانون أو ميثاق دولي، بعد أن سعى إلى نسف كل أرضية ممكنة لإجراء من هذا القبيل.
ما يأمله الإنسان بالطبع هو أن لا يكون هذا هو الاتجاه الذي نسير إليه، وإن ما يحدث هو مجرد خطوة إلى الوراء سرعان ما يتم تجاوزها بخطوتين إلى الأمام. أو هكذا على الأقل ما نتمناه.