عمران سلمان – الحرة – 12 أبريل 2019/
لم يتحمل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزبه خسارتهم في الانتخابات البلدية في المدن الكبرى اسطنبول وأنقرة وأزمير، رغم فوزهم على المستوى الوطني، فذهبوا يشككون في النتائج ويطعنون في النظام، ثم طالبوا بإعادة فرز الأصوات الملغاة. وبين هذا وذاك طفت على السطح من جديد نظريات المؤامرة وأن تركيا أردوغان مستهدفة من الخارج. من هو هذا الخارج؟ لا أحد يفصح عن ذلك صراحة.
سجل بالإنجازات ولكن؟
أردوغان كان قد أشار خلال الحملة الانتخابية بأن من يربح بلدية اسطنبول فإنه سوف يربح تركيا، في إشارة منه إلى سيرورته الشخصية من عمدة لاسطنبول والذي مهد الطريق أمامه وأمام حزبه فيما بعد للفوز في الانتخابات العامة التركية عام 2002 والبقاء في السلطة منذ ذلك الحين.هذه الانتخابات أظهرت أيضا حجم التشبث بالسلطة من قبل أردوغان وحزبه وعدم استساغتهم لفكرة التداول السلمي للسلطة
لا أحد يجادل بأن تركيا في عهد أردوغان خطت خطوات كبيرة إلى الأمام في مجالي الاقتصاد والسياسة الداخلية. فقد تمكن من انتشال الاقتصاد التركي من أزماته المتكررة ووضعه في مصاف الاقتصاديات المتقدمة. كما أدت مشاريع البنية التحتية التي أنجزت في عهده إلى تحسين حياة الأتراك بصورة ملحوظة، وخاصة خارج المدن الكبرى.
داخليا أيضا، عرفت تركيا في السنوات التي سبقت حكم حزب العدالة والتنمية عدم استقرار سياسي مزمن، ما بين حكومات تأتي وتذهب وجيش يقف بالمرصاد للتدخل كلما شعر بأن الأمور لا تجري وفق مشيئته.
كل هذا أصبح خلف تركيا اليوم، بفضل السياسات التي طبقها أردوغان وحزبه. هذا أمر لا ينبغي نكرانه أو التقليل منه.
مشروع ديكتاتور جديد
لكن في المقابل ثمة خشية بأن النجاحات الداخلية التي حققها أردوغان بصدد أن تخلق منه مشروع ديكتاتور جديد، وربما أقنعته بأنه لا أحد في تركيا يستطيع أو يستحق أن يخدم بلاده بصورة أفضل منه أو من حزبه.
هذه الخشية لها ما يبررها مع التوجهات الداخلية والخارجية الأخيرة لأردوغان، خاصة مع التحول إلى النظام الرئاسي الذي حصر جميع الصلاحيات في يده، والفوبيا التي تولدت نتيجة الانقلاب الفاشل قبل عامين، والتي جعلت من الرئيس التركي أسيرا لنظريات المؤامرة والشكوك التي لا تنتهي من وجود متربصين له.
فرغم حملة الاعتقالات والفصل من العمل التي طالت مئات الآلاف من الأتراك بتهمة الانتماء إلى جماعة فتح الله غولن، فضلا عن المطاردات بحق أنصار هذا الأخير في القارات الأربع، لا يبدو أن “شبح” غولن سوف “يتقاعد” قريبا ضمن المشهد التركي.
فثمة من يستثمر بكثافة في هذا “الشبح”، وفي نظريات المؤامرة الخارجية والتاريخ القريب والبعيد والمعارك التاريخية الكبرى وما شابه.
جرس إنذار حقيقي
الانتخابات البلدية التركية رغم رمزيتها أظهرت من ناحية، أن ثمة تحول في المزاج العام لدى النخب التركية، على الأقل في المدن الكبرى، التي باتت مقتنعة بأن قوة الدفع الاقتصادي والسياسي التي رافقت مرحلة أردوغان، قد أوشكت على الانتهاء. وأن الأزمات الاقتصادية التي بدأت تطل برأسها بين حين وآخر، مؤشر على أن تركيا بحاجة إلى دماء جديدة. وأن احتكار حزب العدالة والتنمية للمشهد السياسي التركي ليس أمرا صحيا.هذه المطابقة بين أردوغان كزعيم سياسي وبين تركيا كبلد تثير أكثر من علامة استفهام وتساؤل
لكن هذه الانتخابات أظهرت أيضا حجم التشبث بالسلطة من قبل أردوغان وحزبه وعدم استساغتهم لفكرة التداول السلمي للسلطة. ومن يقرأ صحيفة “يني شفق” التركية المحسوبة على حزب العدالة والتنمية ـ لها موقع بالعربي على الإنترنت ـ يدرك حجم الهلع والذعر الذي سببته هذه الانتخابات.
فالصحيفة تصف ما حصل بأنه بمثابة انقلاب دبره من تصفهم بأعداء تركيا وجماعة فتح الله غولن والأكراد! وهي تعتبر أن خسارة بلدية اسطنبول لصالح مرشح حزب الشعب الجمهوري، هي محاولة لتحجيم تركيا وإخراجها من حلبة السباق الإقليمي والدولي.
هذه المطابقة بين أردوغان كزعيم سياسي وبين تركيا كبلد تثير أكثر من علامة استفهام وتساؤل، إذ أنها تربط مصير الزعيم بالبلد وتصور بقاءه من بقائها. هذه المطابقة ينبغي أن تكون بمثابة جرس إنذار حقيقي للأتراك ولغيرهم.