عمران سلمان -الحرة – 19 أبريل 2019/
“الكيزان” ومفردها “كوز” صفة يطلقها أهل السودان تهكما على المنتمين إلى الحركة الإسلامية – وتشمل الإخوان المسلمين وغيرهم من أتباع الإسلام السياسي – والتي كان يتزعمها حسن الترابي على مدى نصف قرن تقريبا، واتخذت لها أسماء مختلفة مثل “جبهة الميثاق الإسلامية” و”الجبهة الإسلامية القومية” و”المؤتمر الشعبي العربي الإسلامي” وأخيرا “المؤتمر الشعبي”.
ما بنبدل كوز بكوز
والكوز في اللغة – بحسب المعاجم – هو إناءٌ بعُرْوة من فخّار أو غيره له أذن يشرب فيه أو يُصَبُّ منه. وقد أطلق على الإسلاميين السودانيين صفة الكوز لأنهم كانوا يرددون مقولة “الدين بحر ونحن كيزانه”، بحسب بعض الروايات. وفي رواية أخرى فإن من أطلق عليهم هذه التسمية هم أنصار نميري أيام خلافهم مع الإسلاميين، حيث شبهوهم بكوز اللوري (أو الشاحنة) المصنوع من الألمنيوم والذي يصدر أصواتا عالية للفت انتباه سكان القرى بأن اللوري قادم. وذلك في دلالة على الضوضاء الفارغة.
وكان من الطبيعي أن يتردد هذا المصطلح في الثورة السودانية الحالية لأنها بالأساس ثورة جاءت لاقتلاع “الكيزان” وأصنامهم التي نصبوها منذ انقلاب عام 1989 والذي نفذه جناحهم العسكري في القوات المسلحة بقيادة عمر البشير وباركه الترابي حينها وباقي قيادات الحركة الإسلامية.
والعديد من قادة الجيش السوداني اليوم هم من الكيزان، بعد أن كانوا ضباطا برتب صغيرة وقت الانقلاب ووجدوا طريقهم للصعود، بعد حملة واسعة من الإعدامات والتسريحات والإحالة على التقاعد التي شهدها الجيش بحق من هم غير موالين للحركة الإسلامية.
تدمير ممنهج
لا يمكن لأحد من العرب أن يشعر بحجم الدمار الذي أحدثته هذه الحركة في السودان، وخاصة على النسيج الاجتماعي للبلاد، مثل السودانيين أنفسهم، مهما بولغ في السرد والشرح.
فقد تحالفوا في البداية مع جعفر نميري في أواخر سنوات حكمه، وشجعوه على تبني قوانين سبتمبر الإسلامية سيئة الصيت عام 1983، والتي نفذت بموجبها عمليات قطع الأيدي والأرجل وغيرها من الممارسات الوحشية، وأدت عمليا في نهاية المطاف إلى انفصال الجنوب.
وعندما أطيح بنميري في ثورة شعبية بعد ذلك بسنتين، انحسر نفوذ الإسلاميين، ليعودوا من جديد على ظهر الدبابة عبر انقلاب البشير.
وخلال عقد التسعينات استقبل الترابي والبشير وقيادات الحركة الإسلامية زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن في الخرطوم بعد طرده من السعودية، كما شرعوا أبواب البلاد لكافة المنتمين إلى حركات الإسلام السياسي في المنطقة والعالم من جماعات وشخصيات، بعضهم مصنف على قوائم الإرهاب العالمية.
وقادوا الحرب في الجنوب تحت راية الجهاد ضد المسيحيين والأرواحيين والتي أودت بحياة مئات الآلاف من السودانيين. كما قادوا حملة التطهير العرقي وحملة الإبادة في إقليم دارفور والتي تسببت بخراب واسع ومآسي لا حصر لها لسكان دارفور.
مكر العسكر وأطماع السياسيين
وخلال سنوات حكمهم التي امتدت 30 عاما طبقوا قوانين “الشريعة الإسلامية” المنافية للمنطق والعصر، واضطهدوا المعارضين ودمروا مؤسسات المجتمع المدني ومارسوا الفساد وتفننوا في ابتزاز السودانيين في لقمة عيشهم، بأشكال مختلفة من الضرائب والرسوم، كما شهد السودان خلال تلك السنوات موجة هجرة غير مسبوقة للخارج.
وأدت سياساتهم على مستوى الأقاليم والمناطق السودانية المختلفة إلى إذكان نيران الصراعات المسلحة، خاصة في المناطق البعيدة عن المركز والتي عانت طوال سنوات عديدة من التهميش والإقصاء. ولا تزال بعض تلك الصراعات قائمة حتى اليوم.
ما ذكر في المقال أعلاه هو غيض من فيض الجرائم التي ارتكبها “الكيزان” بحق السودان وأهله، وقد آن الأوان لتفكيك النظام الشمولي الذي أسسه هؤلاء بصورة كاملة والتخلص من إرثه الثقيل نهائيا.
بالتأكيد سوف يتعين على السودانيين أن يصلحوا ما أفسده الكيزان، لكن ذلك سوف يستغرق وقتا ليس قصيرا، وأية حكومة مدنية وديمقراطية سوف تستلم الحكم ستحتار من أين تبدأ، فهي ترث بلدا جرى إفقاره وإضعافه بصورة منظمة. بيد أن المهمة الأساسية هي ضمان عدم عودة الجيش من جديد إلى السلطة، فليس هناك ما يمنعه من الانقلاب مجددا. وتاريخ السودان الحديث حافل بمكر العسكر وأطماع السياسيين.
نبوءة الأستاذ محمود
وأختم هذه المقال بنبوءة كان قد تفضل بها الأستاذ محمود محمد طه زعيم الحركة الجمهورية الذي أعدمه ظلما وعدوانا نظام نميري وبتشجيع من الترابي عام 1985:
“من الأفضل للشعب السوداني أن يمر بتجربة حكم جماعة الهوس الديني. وسوف تكون تجربة مفيدة للغاية. إذ أنها بلا شك ستبين مدى زيف شعارات هذه الجماعة. وسوف تسيطر هذه الجماعة على السودان سياسيا واقتصاديا حتى ولو بالوسائل العسكرية. وسوف يذيقون الشعب الأمرين. وسوف يدخلون البلاد في فتنة تحيل نهارها إلى ليل. وسوف تنتهي فيما بينهم وسوف يقتلعون من أرض السودان اقتلاعا”.