عمران سلمان – 26 أبريل 2019/
لطالما طرحت هذا السؤال على نفسي من دون أن أجد إجابة مقنعة وهو: لماذا يتمسك الزعماء السياسيون وغير السياسيين بمناصبهم لفترات أطول مما يقتضيه القانون أو العرف السائد أو المنطق الطبيعي للأشياء؟
فليس من المعقول أن يظل شخص في منصبه مثلا عشر أو عشرين أو ثلاثين سنة. هذه فترة طويلة جدا بمقاييس عمر الإنسان وتبدل الأجيال.
من المهد إلى اللحد
في معظم الدول الديمقراطية، كما هو معروف، فإن القانون يتكفل بهذا الأمر، حيث يتم تحديد فترة زمنية معينة لا يسمح بعدها لرئيس الدولة أو الحكومة أن يظل في منصبه. لكن في العديد من دول العالم وبينها دولنا العربية فإن الأمر قد يطول حتى يصبح مدى الحياة. وليس من النادر أن نجد نماذج من هؤلاء يتمسكون بالسلطة حتى في الحالات التي من الواضح أنه يجب إبعادهم عنها، كما في حالة المرض الشديد أو الشيخوخة والتقدم في السن أو الانفصام في الشخصية أو جنون العظمة.الثقافة السلطوية في المجتمع العربي لا توجد فقط في الحكومات، ولكن أيضا في مؤسسات المجتمع المدني
هل الأمر له علاقة بالثروة مثلا أو المكاسب المادية التي يحصل عليها الإنسان جراء كونه رئيسا أو في موقع الممسك بزمام السلطة؟
هل الأمر له علاقة بحب ممارسة السلطة نفسها وقدرة هذا الشخص على تنفيذ أفكاره وتصوراته وتلبية أهواءه ونزواته؟
هل المسألة مرتبطة باعتقاد هذا الشخص أو ذاك بأنه لا يوجد بديل في البلد بأكمله قادر على أن يشغل هذا المنصب؟
أيضا يمكن القول بأن للسلطة منطقها وطبيعتها، القادرة على تغيير النفوس والعقول، فالأشخاص ليسوا هم أنفسهم قبل وبعد تقلد السلطة، أي سلطة.
قد تكون هذه الأسباب كلها مجتمعة، هي التي تدفع بالزعماء إلى التشبث بمناصبهم أطول فترة ممكنة. لكن من المؤكد أن ذلك يعبر عن خلل في الأشخاص وفي المجتمعات على حد سواء.
إرث الثقافة السلطوية
طبعا علينا أيضا أن لا نغفل أن للثقافة في أي مجتمع دور في نظرة الإنسان للسلطة وللحاكم ولامتداداته الطبيعية والعضوية. ففي المنطقة العربية ورثنا على مدى أكثر من ألف سنة، ما يسمى بالملك العضوض، أي السلطة الوراثية والتمسك الصارم بالحكم.
فالدول العربية الإسلامية الرئيسية مثل العباسية والأموية والفاطمية والعثمانية أو الدويلات والممالك الصغيرة التي نشأت على أطرافها، وضعت نظاما سلطويا مطلقا، جعلته هو المحور وكل ما في المجتمع أو الدولة يدور حوله. حتى رجال الدين والمؤرخين و”المثقفين” بمنطق ذلك الزمن، كانت وظيفتهم الأساسية هي ترسيخ هذا النظام ومده بما يحتاجه من فتاوى وروايات وتلفيقات وأشعار.
إن من يقرأ كتب التأريخ العربي سوف يلاحظ بسهولة أنها كلها تدور حول الخليفة أو السلطان أو الأمير، ومن النادر أن يُذكر الناس العاديون أو يجري الحديث عن أوضاع المجتمعات المحلية بصورة حقيقية وبمعزل عن علاقتها بالحاكم.
هذا الإرث الثقيل من السلطوية، هو جزء من الثقافة والتكوين النفسي والعقلي والعاطفي للإنسان العربي، حاكما ومحكوما.
سلطوية المجتمع المدني
هذا يدفعنا إلى القول أيضا إن الثقافة السلطوية في المجتمع العربي لا توجد فقط في الحكومات، ولكن أيضا في مؤسسات المجتمع المدني، كالأحزاب والنقابات والاتحادات المختلفة. ففي الكثير من هذه المؤسسات يبقى الرؤساء أو الأمناء العامون عقودا من الزمن في مناصبهم، ولا يغادروها إلا في حالة الموت أو عندما تتمرد عليهم قواعدهم الحزبية أو تضعف سلطتهم بالانشقاقات والتشظيات. وحتى في هذه الحالة يواصل بعضهم حمل لواء “السلطة” من دون أي حرج أو خجل.الأشخاص ليسوا هم أنفسهم قبل وبعد تقلد السلطة، أي سلطة
ربما يتعين على الأجيال العربية الشابة أن لا تكتفي فقط بالتظاهر ضد حكوماتها وإسقاطها، ولكن أيضا بالإصرار على وضع مدة زمنية للرؤساء ورؤساء الحكومات وزعماء الأحزاب وكل من يشغل منصبا عاما.
مع التأكيد على أن المسألة لا علاقة لها بهذا الشخص أو ذاك، سواء كان جيدا أو سيئا، كما أنها ليست مسألة شخصية، وإنما مبدأ عاما من شأن إقراره وتطبيقه أن يخلخل السلطوية العربية مع الوقت ويجعل المناصب فعلا، كما هي وظيفتها الأصلية، تكليفا وليست تشريفا.