عمران سلمان – الحرة – 3 مايو 2019/
ظهور الشريط المصور لزعيم داعش أبو بكر البغدادي قبل أيام، هو محاولة يائسة من التنظيم لإثبات أنه لا يزال موجودا، رغم الهزائم الساحقة التي مني بها في العراق وسوريا، ولإثبات صحة ما يذهب إليه العديد من المحللين بأنه رغم خسارته للأراضي التي سيطر عليها، بما في ذلك دولته المزعومة، فإن داعش ما يزال يشكل تهديدا أمنيا على درجة عالية من الخطورة.
فقد أهميته الاستراتيجية
ومع أنه يصعب القطع بشأن الأهمية التي يشكلها داعش اليوم، بعد أن تحول إلى أسلوب التفجيرات والعمليات الانتحارية وعمليات الكر والفر، ومن ثم بات عرضة لاصطياده من قبل الأجهزة الأمنية المختلفة، بعد أن كانت مواجهته تقتضي جيوشا وقوات عسكرية، فإن المؤشرات تدل على أنه مصمم على الانخراط أكبر في عملية زعزعة الأوضاع الأمنية في العديد من المناطق.من الناحية الاستراتيجية لم يعد داعش يشكل خطرا داهما
ولعل تبني التنظيم تفجيرات سريلانكا وغيرها من العمليات الإرهابية التي أعلن عنها البغدادي، يكشف أن داعش يسير على خطى تنظيم القاعدة في مد شبكته إلى خارج المنطقة العربية، واستهداف الأجانب في المناطق الرخوة التي لا تحظى بغطاء أمني كافي.
لكن هذا النوع من العمليات، رغم أنه يربك الأجهزة الأمنية في العديد من الدول، إلا أنه أسلوب تعودت الحكومات على مواجهته والتكيف معه منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي.
بمعنى آخر فإن تنظيم داعش رغم أنه لا يزال يحتفظ بقدرات على تنفيذ هجمات وعمليات إرهابية هنا وهناك، إلا أنه من الناحية الاستراتيجية لم يعد يشكل خطرا داهما، مثلما كان الأمر عليه لدى سيطرته على الموصل والرقة وغيرها من المدن العراقية والسورية.
القضاء على ملاذاته الآمنة
إن النجاح في حرمان داعش من السيطرة على الأرض، هو أهم وأكبر إنجاز تحقق في مواجهة التنظيم. فالأرض لا تعني السيطرة على البشر فقط، وإنما السيطرة على الموارد وإقامة معسكرات التدريب والتجنيد والانطلاق واستقبال القادمين من الدول الأخرى وخلق النموذج الذي من شأنه أن يجذب شذاذ الآفاق والمجرمين من كل حدب وصوب.
لكن هذا النجاح رغم أهميته بحاجة أيضا إلى خطوات أخرى تتمثل في مواجهة الأفكار والعقائد التي يستند عليها التنظيم في نشر رسالته. إضافة إلى مواجهة آلة الدعاية الإعلامية التابعة له والتي وإن ضعفت، فما زالت قادرة على العمل وبث السموم في المجتمعات المختلفة.
إن الجانب العقائدي رغم أنه لا يشكل تهديدا أمنيا وشيكا، إلا أنه على المدى الطويل يعتبر شديد الخطورة، لأنه قادر باستمرار على إعادة إنتاج نماذج لجماعات أكثر عنفا ووحشية. وهو قادر أيضا على التمدد والانتشار إلى العديد من المجتمعات المحلية المأزومة والتي ترى خلاصها في العودة إلى الماضي الأسطوري والمتخيل، بدلا من العناية بالحاضر والعمل من أجل المستقبل.
مصير بن لادن
من دون شك فإن الشريط المصور لزعيم داعش سوف يصبح مادة دسمة لرجال الاستخبارات وخبراء الأمن الدوليين الذين سوف يعكفون على تحليله واستخلاص المعلومات الضرورية منه.آخر ما يهتم به البغدادي وأمثاله هو مصير آلاف النساء والأطفال الذين تقطعت بهم السبل
ومع استمرار الحملة الأمنية للقضاء على عناصر وقادة داعش، لن يطول الوقت قبل العثور على البغدادي واعتقاله أو قتله، كما حدث مع بن لادن.
إن الأمر الملفت في هذا الشريط، إضافة إلى أنه يعتبر نسخة باهته من أشرطة زعيم القاعدة، أنه لم يتضمن سوى دعوات “للثأر” مما لحق بداعش في سوريا والعراق، لكنه لم يتضمن أي حديث عن استراتيجيات ولم يقدم أية إضاءة على الأهداف والسياسة التي يعتزم داعش انتهاجها في المستقبل. وربما كان الهدف منه فقط هو الإيحاء بأن داعش لا يزال على قيد الحياة، وبعث بعض الرسائل المشفرة لأنصاره.
وبطبيعة الحال فإن آخر ما يهتم به البغدادي وأمثاله هو مصير آلاف النساء والأطفال الذين تقطعت بهم السبل في معسكرات الاعتقال التي سيقوا إليها بعد هزيمة التنظيم وسحقه في المناطق التي كانت ترفع يوما شعار “دولة الخلافة باقية وتتمدد”.. هؤلاء باتوا اليوم مشكلة إنسانية وأمنية لأنفسهم ولغيرهم. والأمل أن يصبحوا مثلا وعبرة للكثير من مغسولي الدماغ حول العالم.