عصابات الجنجويد تجتاح الخرطوم

عمران سلمان – الحرة – 6 يونيو 2019/

بقراره مهاجمة المعتصمين السودانيين على هذا النحو الوحشي، والمفارق لكل ضمير أو أخلاق، كشف المجلس العسكري أنه ليس سوى عصابة من عصابات الجنجويد التي سبق أن مارست أعمال القتل والاغتصاب والتعذيب وجرائم الحرب ضد سكان دارفور، وأفلتت للأسف من العقاب بسبب تراخي المجتمع الدولي والحسابات السياسية الضيقة.

سيناريو دارفور

وفي إعادة للذاكرة لما كان يحدث في دارفور، قامت عصابات الجنجويد التي باتت تعرف بقوات الدعم السريع يوم الاثنين، وبالتعاون (حسبما كشفت عنه الصحفية السودانية يسرا الباقر) مع جهاز الأمن والمخابرات الوطني ومليشيا الشرطة الشعبية ومليشيا الأمن الشعبي ومليشيا الدفاع ومليشيا الأمن الطلابي ومليشيا الشيخ عبد الحي الإسلامية، بأعمال القتل والتعذيب واستباحة الأعراض والممتلكات وإحراق المنازل ليس في موقع الاعتصام فقط ولكن في سائر الخرطوم، ما دفع والي العاصمة إلى الاستقالة من منصبه احتجاجا على ما يجرى.على دول العالم ألا تكتفي فقط بإدانة أعضاء المجلس العسكري، وإنما أيضا المطالبة بتسليمهم للعدالة ومحاكمتهم

​​طبعا معظم هذه المليشيات هي من أجهزة النظام السابق، وجاءت مشاركتها في عمليات القمع والتنكيل بهدف وحيد وهو الانتقام من المحتجين ومحاولة إعادة الاعتبار للنظام السابق أو على الأقل إثبات قدرتها أنها لا تزال تسيطر على الوضع، رغم سقوط رموزها المهترئة. وثمة ما يشير إلى أن هذه المليشيات التي تتلقى أوامرها مباشرة من نائب رئيس المجلس العسكري، سوف تواصل انتهاكاتها في العاصمة وغيرها من المدن السودانية في الأيام المقبلة.

سقوط سريع

والواقع أن المجلس العسكري الذي فشل في الحصول على اعتراف أو قبول يعتد به، سرعان ما كشف عن وجهه الحقيقي بوصفه امتدادا لنظام البشير المعزول. ورغم المناورات الكثيرة التي قام بها من أجل تثبيت وضعه والحصول على شرعية ما، إلا أنه فشل في خداع السودانيين بأنه جزء من ثورتهم. هذا الانكشاف السريع من شأنه أن يسهل على قوى الثورة التعامل معه من الآن وصاعدا، فكل ما يقوله أو يفعله يندرج في إطار سياسة التدليس والكذب.

فاللجوء إلى القوة بهذا الشكل، قد تجاوز حتى ما فعلته الأنظمة العسكرية التي جاءت بها الانقلابات في المراحل السابقة. وهو لا ينم سوى عن اليأس والشعور بأن اللعبة التي حاول تسويقها منذ البداية عن انحيازه إلى المحتجين ضد النظام السابق، قد وصلت إلى نهايتها. فرفضه تسليم السلطة إلى حكومة مدينة وإصراره على مواقفه بأي ثمن، كانت إشارة واضحة، لا تقبل اللبس، على نواياه المبيتة في الاحتفاظ لنفسه بالحكم.

أكثر من ذلك فقد كشفت مشاركة آلاف المسلحين والمرتزقة في قمع المحتجين، أن المجلس العسكري، وخلافا للوعود التي قدمها لا يزال يبقي على الأجهزة الأمنية والمليشيات التابعة للنظام السابق، بكامل تسليحها وتنظيمها وقياداتها، ما يعني أنه يعتبرها جزءا منه.

محاسبة المجلس العسكري

إن الأمر المضحك والمثير للسخرية حقيقة هو أن المجلس العسكري الذي يسمى ما جرى مجرد “أحداث مؤسفة” يعترف بأن الأجهزة الأمنية المشتركة التابعة له (وهو هنا يقصد مليشيات الجنجويد والنظام السابق) هي من قامت بالمجزرة، وفي الوقت نفسه يأمر النيابة العامة بالتقصي والتحقيق فيها ومحاسبة المسؤولين عنها. بل يطالب السودانيين بتجاوز ما حدث وطي صفحة الماضي والتطلع إلى أخرى جديدة!

والحقيقة أن انكشاف المجلس العسكري على هذا النحو السريع والفاضح والدموي، هو رسالة ليس فقط للسودانيين، وإنما أيضا للمجتمع الدولي.اللجوء إلى القوة بهذا الشكل، تجاوز حتى ما فعلته الأنظمة العسكرية التي جاءت بها الانقلابات في المراحل السابقة

​​رسالة للسودانيين بأن المجلس عازم على إجهاض ثورتهم وتحويلها إلى جسر له للبقاء في السلطة، سواء بالقوة إن لزم الأمر أو بالخداع عبر تنظيم انتخابات شكلية يفوز فيها الأقوى من بين أعضاءه.

وهي رسالة للمجتمع الدولي بأن عليه التحرك وتوفير الحماية للمحتجين، والإصرار على حل المجلس العسكري ونقل السلطة إلى حكومة مدنية.

وعلى دول العالم ألا تكتفي فقط بإدانة أعضاء المجلس العسكري، وإنما أيضا المطالبة بتسليمهم للعدالة ومحاكمتهم على ما ارتكبوه من جرائم ضد السودانيين، ولا سيما قوات الدعم السريع التي نكلت من قبل بأهالي دارفور.

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *