الرومي لم يكن نبيا ولكن أوتي كتابا!

عمران سلمان – الحرة – 27 سبتمبر 2019/

في الثلاثين من سبتمبر تطل الذكرى (812) لميلاد جلال الدين الرومي، ويحتفل بهذه المناسبة الكثير من الناس حول العالم، وخاصة في مدينة قونية بتركيا، التي عاش وتوفي فيها الرومي. والواقع أني لطالما أحببت الحديث عن الرومي، ولطالما شعرت بأن ما سأكتبه أنا أو أي أحد آخر لن يفيه حقه. فهل يمكن لجدول صغير أن يتحدث عن عظمة النهر؟ عزائي فقط أني لا أزال أملك القدرة على الحديث.

شحنة حب خالصة

لو شئت لقلت إن جلال الدين الرومي لم يكن إلا شهابا نزل على الأرض كي يغير ما في ساكنيها من طباع، فينقل من أراد منهم  من حالة التوحش إلى حالة الأنسنة، ومن حالة  انحلال القدرة واليأس إلى العافية والهدف المشترك.

للذين يعرفون والذين لا يعرفون، الرومي لم يكن مجرد شاعر أو مرشد روحي، لكنه كان تجليا لروح إلهية، مكنته من أن يرى ويسمع ويرصد ما لا يمكن أن يرى في الحالة الطبيعية.

طبعا يدهش كل إنسان هذه الشحنة الهائلة من الحب الذي يبديه الرومي لكل ما في الكون. إنه لا يميز في ذلك بين إنسان وآخر، سواء على أساس اللون أو العرق أو الجنس أو القومية أو الدين أو أي شيء آخر.

هذه الطاقة الهائلة من الحب تجتاح الجنس البشري كله، حتى لا تبصر فيها أي شيء آخر سوى محبة الله الخالصة.

كيف يمكن أن يتماشى هذا الحب الإلهي مع فكرة أن الله يقتص أو يعذب البشر؟ في اعتقادي لا يوجد شيء من هذا القبيل. هناك شيء واحد فقط وهو أن الله خلق البشر بقوة الحب ويعيدهم إليه بقوة الحب أيضا.

أفكار الشر والكره والتعذيب هي أفكار بشرية لا تليق بالله ولا تأتي من الله. الذين يروجون لها أحرار في ذلك، ولكن لا يمكن أن يقنعونا بأن الله قد فرضها أو نادى بها.

التقاء البحرين

لقاء الرومي مع الدرويش الصوفي شمس التبريزي كان هو الفصل في التحول الذي مر به الرومي. فقد كان قبلها فقيها إسلاميا تقليديا، لكنه ما أن تسللت إليه أشعة الحقيقة، على يدي شمس، حتى هجر الحرف والقلم، وطفق يبحث عن المعنى والقالب.

في المعنى الصوفي كان هذا اللقاء بمثابة التقاء البحرين. أيضا في المعنى الصوفي اللقاء ليس هو بين الأشخاص أو الأسماء ولكن لقاء الأرواح قديمها بحديثها وما تنقله لها من معارف ومكنونات.

كان شمس التبريزي يبحث عن “إناء” يستطيع أن يسكب فيه ما وصله من معارف وإدراكات وما تجلى له من “أسرار إلهية” وكان الرومي هذا الإناء الجاهز، وربما آتاه هاتف في المنام يخبره بقرب هذا اللقاء وما سيحدث له بسببه.

لم تكن مهمة شمس نقل أية معرفة أو معلومات للرومي، فالأخير كان فقيها وعالما، ولكن مهمته كانت “إماتة” الرومي الذي صار حتى ذلك الوقت، للسماح بخلق الرومي الذي سوف نعرفه وتعرفه البشرية بعد ذلك الوقت. والإماتة هنا هي من نصيب النفس أو الأنا لدى الرومي، “موتوا قبل أن تموتوا”. فلا سبيل لوضع شيء جديد في إناء الإنسان ما دام ممتلئا. لا بد أولا من إفراغه مما فيه. وكانت هذه العملية بمثابة تعذيب للرومي نفسه. فقد كان عليه أن يأتي بأفعال ويقوم بأمور غريبة وغير مفهومة بالنسبة له، من ذلك الذهاب إلى الحانة ومجالسة الشاربين، رغم مكانته الدينية، أو ىاللقاء بأفراد وبشر، لم تكن مكانته أيضا تسمح له بذلك.

حرارة “شمس” بقيت مع الرومي

كان ذلك كله ضروريا من وجهة نظر شمس التبريزي لإماتة “أنا” الرومي، وقد نجح في ذلك أيما نجاح. فالرومي قبل شمس ليس هو بعده. كانت الحرارة التي تشع من شمس كافية لإذابة كل ما علق في نفس الرومي من حجب الغفلة، وكانت الطاقة النابعة من شمس هي التي بقيت مع الرومي، حتى بعد وفاة شمس، وهي التي فجرت لديه الشعر والنظم وألهمته الذِكر المولوي- هذا النوع من الذكر يقوم على دوران الإنسان حول نفسه، في محاكاة لدوران الأفلاك والكواكب والنجوم، ودوران الذرات والجزيئات وكل ما في الوجود.

لقد كتب الكثير عن الرومي، وسيكتب أكثر، وقد ترجمت أشعاره وأقواله إلى العديد من اللغات، وهو أكثر شاعر مسلم معروف في الغرب اليوم. لكن كل ما كتب عنه يظل مجرد قطرة في بحر الحضور الروحي الهائل للرومي.

يقول الشاعر الإيراني المعروف حافظ “إن الرومي لم يكن نبيا، ولكنه أوتي كتابا” في إشارة إلى كتابه أو ديوانه المثنوي. 

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *