النار تكاد تمسك بأطراف أردوغان

عمران سلمان – الحرة – 4 أكتوبر 2019/

على السطح يبدو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ممسكا بزمام الأمور، لكن في العمق، فإن رصيده آخذ بالتآكل والاضمحلال تدريجيا، فيما “الأردوغانية” مستمرة في التعثر والنار توشك أن تمسك بأطرافها وتكاد تلتهمها ولو بعد حين.

انزلاق نحو الديكتاتورية

يمكن القول إن حزب العدالة والتنمية الحاكم يعيش اليوم مرحلة الشيخوخة والتفكك، بعد أن استنفد طاقة الدفع التي كان يتمتع بها في سنواته الأولى والتي مكنته من السيطرة على الفضاء السياسي التركي منذ عام 2002.

وكان لافتا أن عددا من أبرز مؤسسيه قرروا القفز من سفينته الغارقة، وآخرهم علي باباجان الذي أعلن عزمه تشكيل حزب سياسي جديد قبل نهاية العام، بعد تفاقم خلافاته مع أردوغان. كما تم فصل أحمد دواود أوغلوا وأربعة من قياديه بناء على أوامر من رئيس الحزب.ثمة مخاوف من عودة تركيا إلى زمن الاضطرابات السياسية والتغير السريع للحكومات

​​وبحسب مسؤولين سابقين في حزب العدالة والتنمية فإن الحزب يعاني من تزايد الانشقاقات وفقدان التواصل مع قواعده الشعبية، وقد خسر العام الماضي وحده نحو 840 ألفا من أعضائه.

لكن السؤال هو ما الذي أوصل حزب العدالة والتنمية إلى هذا المصير؟

الإجابة المختصرة هي زعيمه أردوغان الذي يبدو أنه لم يتعاف كليا من آثار المحاولة الانقلابية الفاشلة عام 2016، والتي وإن لم تسقطه فقد تركت آثارها واضحة عليه، وبحسب بعض المراقبين فقد حولته إلى شخصية مهووسة ومستنفرة وغير قادرة على الثقة بأقرب المقربين إليه.

وفي حين أخذ أردوغان بدفع تركيا للانزلاق أكثر فأكثر نحو الديكتاتورية، فقد كان وقع هذا النهج على العدالة والتنمية ليس أقل من ذلك، حيث سعى إلى إبعاد كل من يشك في ولائه له أو لا يشاطره الرأي، وخلق حاشية من المطبلين والمطيعين حوله مثل رئيس الحكومة السابق علي يلدريم ووزير الخارجية جاويش أوغلو.

استعادة المجد العثماني 

جرس الإنذار الذي قرع في رؤوس العديد من كوادر الحزب هو خسارة انتخابات بلديات اسطنبول وأنقرة لصالح حزب الشعب الجمهوري المعارض. فهذا الحزب الأخير الذي كان في السنوات القليلة الماضية فحسب بالكاد قادر على لم شتاته والظهور كحزب سياسي متماسك، بات اليوم أكثر قدرة على حشد الشارع والاستعداد لمنافسة الحزب الحاكم، وذلك كله بفضل السياسات المغامرة والعبثية التي اتبعها أردوغان في السنوات الماضية والتي لم تجلب أي منفعة لتركيا والأتراك، بدءا من الأزمة السورية وليس انتهاء بالتوتر مع الولايات المتحدة، وما بين ذلك القطيعة مع الاتحاد الأوروبي وتوترات مع العراق واليونان وغيرها من الدول المجاورة.

هذا فضلا عن السير خلف نظريات المؤامرة التي يتفنن في صياغتها إبراهيم قراغول، رئيس تحرير صحيفة يني شفق المقرب من أردوغان، والذي لا يزال يعيش في زمن العثمانيين والحروب الصليبية والمؤامرات الدولية!

هذا السعي المرهق، والذي استنفد طاقة تركيا وما راكمته من نجاحات اقتصادية وسياسية في السابق، بحثا عن دور في بطون التاريخ وأعمدة الخيال، جعل الكثير من الأتراك، بمن فيهم من كانوا معجبين حتى وقت قريب بسياسات أردوغان، يبدون خشية واضحة على المستقبل الذي ينتظر البلاد.

تحديات أمام الأتراك

لا شك أن أمام تركيا عدة تحديات، باتت تتضح معالمها تدريجيا، من بينها، كيفية المحافظة على استقرار الاقتصاد ومنعه من التدهور، وثانيا، تعديل مسار السياسة الخارجية بحيث تعكس مصالح البلاد الواقعية بدلا من توظيف ثقل تركيا في حروب أيديولوجية وعقائدية عفا عليها الزمن، وثالثا، تعزيز الوحدة الداخلية والتعاطي مع القضية الكردية من منظور مختلف.يبدو أن أردوغان لم يتعاف كليا من آثار المحاولة الانقلابية الفاشلة عام 2016

​​للأسف لا يبدو أن النظام الحالي قادر على التعاطي الناجع مع هذه التحديات. فتغيير الدستور إلى النظام الرئاسي، الذي كان يفترض أن يسهل من عملية اتخاذ القرارات وتنفيذ السياسات، تحول إلى وسيلة يمارس من خلالها أردوغان طموحاته الشخصية والزعامية، وبطريقة تهدد بعزل تركيا عن محيطها الإقليمي ويعقّد من علاقاتها الدولية.

لكن من الجهة الأخرى، ثمة أيضا مخاوف من عودة تركيا إلى زمن الاضطرابات السياسية والتغير السريع للحكومات الذي سبق مجيء حزب العدالة والتنمية للسلطة، وما كان يتسبب فيه من عدم استقرار سياسي واقتصادي.

هذه التحديات التي تتأرجح بين الأمن والسياسة والاقتصاد، ترهق كاهل الأتراك وتزيد من حالة التوتر في البلاد، وعاجلا أو آجلا من شأنها أن تدفع إلى تغيير الخارطة السياسية الداخلية.

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *