عمران سلمان – الحرة – 15 نوفمبر 2019/
قبل أسبوعين تقريبا مرت الذكرى 200 لميلاد “الباب” واسمه “سيد علي محمد” في مدينة شيراز الإيرانية، وهو يعتبر الشخص الثاني في الديانة البهائية، بعد مؤسسها “بهاء الله” واسمه الأصلي “ميرزا حسين علي”، وإنما أطلق على “سيد علي” لقب الباب بسب أنه كان المبشر بظهور الدين الجديد، وقد أعدمته السلطات الإيرانية في عام 1850 في مدينة تبريز بعد انتشار دعوته وتزايد عدد أتباعه وخشية شاه إيران من اتساع نفوذه. وقد نقل مؤيدوه رفاته من مكان إلى آخر لمدة ستين عاما عقب وفاته إلى أن تم دفنه أخيرا في مدينة حيفا حيث المقر الرئيسي للديانة البهائية.
وقد كانت لي فرصة في الأسبوع الماضي لحضور احتفالا بالمناسبة في مدينة ليزبيرغ بولاية فيرجينا أقامته الطائفة البهائية، وكان أكثر من لمسته في الحفل هو روح الوداعة والمحبة والإنسانية الجمة.
رفض لعب دور الضحية
إن أهم ما يميز الديانة البهائية، ليس فقط ميلها الواضح إلى ناحية الأخلاق والابتعاد عن السياسة والتشجيع على التعليم واكتساب المعارف ونشر السلم والمحبة بين البشر، وإنما إلى جانب كل ذلك هو أنها لم تسقط في فخ لعب دور الضحية، رغم ما تعرضت له من صنوف القتل والاضطهاد والتعذيب، وإنما ابتكرت أدوات إبداعية مكنتها من البقاء في إيران وامتداد رقعتها إلى أكثر من 200 بلدا وبحوالي سبعة ملايين شخص.
طوال تاريخها في إيران تعرض مؤسس البهائية وأتباعه إلى أشد أنواع القمع والتنكيل، فقد قتل الآلاف من البهائيين وأودع بهاء الله في سجن “سيا جال” سيئ الصيت، ثم تم نفيه إلى العراق ومنها إلى اسطنبول فأدرنة ومنها إلى سجن عكا، والذي كان قلعة يودع فيها العثمانيون عتاة المجرمين والقتلة.بعد الثورة الإسلامية تم طرد جميع الطلبة والأساتذة البهائيين من الجامعات الإيرانية
ولم ينته القمع الموجه ضد البهائية حتى في العصر الحديث. فبعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 أصبح قمع البهائيين سياسة رسمية للحكومة الجديدة، على النحو الذي مارسته النازية الألمانية ضد اليهود.
ففي السنوات التي أعقبت الثورة تم اعتقال الآلاف من البهائيين، بمن فيهم معظم القادة المنتخبين على المستويين المحلي والوطني. وقد تعرض العديد منهم للتعذيب وأعدم نحو 200 شخصا منهم.
طرق مبتكرة للبقاء
ومع ذلك رفض البهائيون القبول بدور الضحية أو اللجوء إلى العنف في مقابل ذلك. فمبادئهم، حسبما يقولون، تفرض عليهم الخضوع للحكومة وتحرم اللجوء إلى العنف أو التحريض أو الانخراط في أي نشاط حزبي.
بدلا من ذلك وجد البهائيون طرقا مبتكرة ومرنة لممارسة معتقداتهم. فقد أسسوا المدارس الخاصة بهم منذ أوائل القرن العشرين. كما أنشأوا المستشفيات والعيادات بمساعدة البهائيين الأميركيين والأوروبيين.
بعد الثورة الإسلامية تم طرد جميع الطلبة والأساتذة البهائيين من الجامعات الإيرانية. وقد تقدم البهائيون إلى السلطات الجديدة بمطالب لإنصافهم ورفع الظلم عنهم، ولكن دون جدوى.تقمع الحكومة الإيرانية البهائيين دون هوادة
وردا على ذلك أسس البهائيون نظاما غير رسمي للتعليم الجامعي والذي تطور فيما بعد إلى “المعهد البهائي للتعليم العالي”. حيث كان التدريس يتم في منازل البهائيين في مختلف مناطق إيران، وكان طاقم التدريس مكون من الأكاديميين البهائيين الذي منعوا من التعليم في الجامعات الإيرانية.
وكان هذا المعهد الذي أصبح فيما بعد يعطي دروسه عبر الإنترنيت أيضا، هو الفرصة الوحيدة للبهائيين داخل إيران للحصول على تعليم جامعي.
حملة القمع مستمرة
لكن الحكومة الإيرانية شنت في عام 2011 حملة منظمة للقضاء على هذا المعهد، حيث داهمت قوات الأمن عشرات المنازل ودمرت أجهزة الكمبيوتر وأتلفت المواد التعليمية ووضعت العشرات من المدرسين والإداريين في السجن. ولم تكن من تهمة توجه ضد هؤلاء سوى رغبتهم في تقديم العلم إلى طلابهم وإصرارهم على خدمة مجتمعهم.
إن الحكومة الإيرانية الحالية التي تشتكي من استهداف الآخرين لها، عن حق أو باطل، تقوم هي في الوقت نفسه بقمع البهائيين دون هوادة وهم إيرانيون مستضعفون ومسالمون ولم يرتكبوا أي جريمة أو عصيان ضد الدولة الإيرانية أو نظامها.
لا يمكن للإنسان أن يفهم هذا التناقض سوى أنه جزء من عقلية العداء والاستقواء ضد الآخر، والتمييز على أساس الدين أو المعتقدات، وهو أمر كان يفترض أنه من مخلفات القرون الماضية، لكنه للأسف يطبق اليوم وبصورة فاضحة ومن دون أي رادع أو وازع أخلاقي، والأدهى أن يكون ممارسة رسمية على مستوى الحكومة والدولة الإيرانية.