عودة الحيوية إلى العالم العربي!

عمران سلمان – الحرة – 22 نوفمبر 2019/

يبدو أن حمى الاحتجاجات آخذة في الانتشار في أنحاء الشرق الأوسط وإن بصورة تدريجية، خافتة هنا وصاخبة هناك. وأن البركان الذي يبدو خامدا في بعض المناطق قد يتحرك في أية لحظة.

حالة انسداد

وسواء كان الدافع المباشر وراء ذلك هو الاقتصاد والحالة المعيشية أو عدم الرضى عن التوجهات السياسية، فإن من الواضح أن ثمة ضيق عام من حالة الانسداد التي تعيشها المنطقة على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

حالة لم تعد تنفع معها التبريرات ومحاولات الترقيع التي اعتدنا على سماعها خلال السنوات والعقود الماضية. كما لم تعد التنظيرات الخاصة بالمؤامرات والتدخلات الخارجية قادرة هي الأخرى على إقناع أو إرهاب أحد، رغم الاستثمار المادي والسياسي والمعنوي الكبير فيها وفي العقليات التي تؤمن بها.الحراك الذي أنتجته هذه الاحتجاجات يصب في مصلحة السواد الأعظم من الناس

فهناك أجيال جديدة، تجد نفسها بدلا من أن تعيش حياتها وعصرها، قد ورثت مشاكل وعقد الأجيال السابقة من دون أن يكون لها فيها ناقة أو جمل. وأن الخلافات والنزاعات القديمة تكاد تسد أي أفق أو إمكانية أمامها لبناء شيء ذي قيمة في المستقبل. فيما شعوب العالم الأخرى تتحرك في اتجاه خلق ظروف جديدة لحياة تتناسب مع متطلباتها وتطلعاتها.

النهوض والارتكاس

طبعا من المبكر الحكم على نتيجة هذه الاحتجاجات ومآلاتها، ومن الإنصاف القول أيضا إنه مثلما هناك احتمالات “النهوض” عبر النجاح في إنجاز التغيير السياسي الجذري، هناك أيضا احتمالات “الارتكاس” عبر انتشار الفوضى وزيادة الأوضاع السيئة سوءا، على الأقل في المدى القريب والمتوسط.

وفي بلد مثل لبنان، يقع على حافة الإفلاس تقريبا، فإن استمرار الوضع الحالي من دون أفق للحل من شأنه أن يؤدي إلى دمار اقتصادي، بما في ذلك اهتزاز الوضع المالي للبلاد وإغلاق أنشطة اقتصادية متعددة وحالات تسريح للموظفين وزيادة نسبة البطالة إلى أرقام فلكية، وما ينتج عن ذلك من موجات جديدة للهجرة إلى الخارج.

ثمن مقبول

هناك من يرى أنه إذا كان هذا هو ثمن الخلاص من نظام المحاصصات الطائفية ومن الطبقة السياسية الفاسدة في البلد فهو ثمن مقبول. وشخصيا لا ألوم هؤلاء، لأنه في المحصلة النهائية فان أداء النظام الحالي ربما يتجه بلبنان إلى نفس النتيجة ولو بعد حين.ما يجري اليوم، رغم ما يحيط به من غموض، إنما يؤشر إلى عودة الحيوية من جديد إلى المجتمعات العربية

في المقابل، هناك من يرى بأن المخرج من هذا كله لا يبدو واضحا حتى الآن، في ضوء غياب آليات محددة لتحقيق المطالب المطروحة. إضافة إلى الخشية من أن تصبح الاحتجاجات نفسها جزءا من الصراع الدائر، وهي التي جاءت بحثا عن الحلول للمشاكل المزمنة، وبعد أن ضاق الناس ذرعا من الصراعات التقليدية العقيمة، وسعوا عبر تحركهم هذا إلى خلق ديناميكية جديدة وغير مسبوقة.

هذه التساؤلات والمخاوف مشروعة وينبغي أن تكون جزءا من النقاش الدائر سواء في لبنان أو العراق أو في غيره. ومن هذا المنظور فإنه باستثناء قلة قليلة فاسدة ومتنفذة، فإن الحراك الذي أنتجته هذه الاحتجاجات يصب في مصلحة السواد الأعظم من الناس.

ليس لديهم ما يخسرونه

ولعل من المفيد هنا التذكير بأن ما يميز الاحتجاجات الحالية أنها جاءت نتيجة انفجارات اجتماعية عفوية ولم يكن وراءها حزب أو جماعة سياسية أو قيادات أو زعماء. وهو أمر نادر الحدوث في منطقة تعج بالآراء والمواقف والتجاذبات السياسية والزعامات. بل ويعتبر عدم الانضواء تحت عباءة هذه الجماعة أو تلك بمثابة انهزام وهروب من تحمل المسؤولية! فهذه المنطقة لم تعتد على وجود آراء حرة ومستقلة وغير حزبية.

صحيح أن بعض الأحزاب والحركات السياسية (من اليمين واليسار) سعت وتسعى لركوب موجة هذه الاحتجاجات، وإدراجها ضمن صراعاتها التقليدية، وأحيانا تصفية الحسابات، لكن الأمر الواضح هو أنها (في الشكل والمضمون) أعمق من مجرد تظاهرات مطلبية. فيما تبدو آلة القمع التقليدية عاجزة عن التعامل مع الوضع الجديد، خاصة مع الشعور المتزايد بأنه ليس هناك الكثير مما يمكن أن يخسره الإنسان في هذا الجزء من العالم.

بكلام آخر فإن ما يجري اليوم، رغم ما يحيط به من غموض أو يسوده من مخاوف، إنما يؤشر إلى عودة الحيوية من جديد إلى المجتمعات العربية.

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *