عمران سلمان – الحرة – 29 نوفمبر 2019/
يصدف أحيانا، خلال أحاديث تجمعني مع أصدقاء أو معارف أو عموم الناس، أن تسود حالة من النقد اللاذع والشعور بالمرارة عندما يأتي الحديث عن وضع العرب اليوم، دولا وشعوبا.
الشجرة التي تخفي الغابة
فالمقارنات جاهزة، وبعضها معاد ومكرر، بين حالة العرب والشعوب الأخرى. وسواء تعلق الأمر بالنظام العام أو الثقافة أو الوضع الاجتماعي والاقتصادي.. إلخ، فإن النتيجة النهائية هي أن العرب يقبعون في أسفل السلم، وأنه ليس هناك أمل كبير يرجى منهم!
هذا المزاج السوداوي، إن جاز التعبير، يستمد بطبيعة الحال بعض وجاهته من واقع الأرقام والإحصائيات المنشورة، فضلا عن المعايشات والتجارب البشرية المختلفة، وبصورة يصعب الجدال معها أحيانا، بأن الأمر هو خلاف ذلك.إن عقلية لوم الآخر وإعفاء الذات من مسؤولياتها كان لها على الدوام تأثيرا مدمرا على تطور أي شعب
لكن هل هذا كل ما في المشهد؟
بالطبع كلا. لأنه لو كان الأمر هو فقط كما تصوره تلك الأحاديث، فكيف نفسر أن الكثير من العرب ينجحون ويتفوقون حيثما أتيحت لهم الفرصة؟
ففي بلد مثل الولايات المتحدة فإن متوسط تعليم ودخل الفرد العربي (سواء كان مسلما أو مسيحيا) هو أعلى من نظيره الأميركي.
وثمة نماذج فردية ومؤسساتية عربية ناجحة في المجتمع الأميركي (سياسيا واقتصاديا وعلميا)، رغم أن العرب وبخلاف جماعات قومية أو عرقية أو ثقافية أخرى، ينتمون إلى دول وشعوب متنوعة ومختلفة.
ويصدق ذلك أيضا على العرب في بلدان أخرى.
التخلف ليس قدرا
وحتى داخل المجتمعات العربية نفسها ثمة العديد من المشاريع والمبادرات الخلاقة سواء على مستوى الدول أو الأفراد، والتي تشي بأن طريق النهوض العربي ليس مغلقا وأن العرب كشعوب وكأمة لا تزال قادرة على الحركة وعلى تقديم إجابات على أسئلة العصر الكبرى. هذه الإجابات ليست بالضرورة نهائية وناجزة ولكنها إجابات نابعة من البيئة والثقافة العربية نفسها.
ماذا يعني كل ذلك؟
هو يعني أنه رغم الوضع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي العربي السيء، فإن إمكانيات الخروج من دائرة التخلف والتبعية متاحة وإن بشروط، وإن العرب في ذلك لا يختلفون عن باقي الشعوب.
إن أول وأهم شرط هو الكف عن تصوير المشاكل في العالم العربي بأنها من إنتاج الآخرين وتآمرهم، وبدلا من ذلك الانصراف كليا إلى الاشتغال على إصلاح الذات وتقويمها.
لا أحد يمنعنا من التقدم
إن عقلية لوم الآخر وإعفاء الذات من مسؤولياتها كان لها على الدوام تأثيرا مدمرا على تطور أي شعب. فهي لا تؤدي فقط إلى تكريس المشاكل والازمات وتفاقمها، ولكنها أيضا تسد إمكانيات التطور الكامنة لدى المجتمعات والشعوب. وهي تتسبب في شيوع حالة من اليأس والاتكالية والضعف الذاتي.
فمن الذي يمنعنا من تهذيب أخلاقنا وذواتنا، أو إصلاح علاقتنا المتأزمة مع الوقت، أو احترام مصالح من حولنا؟ من الذي يمنعنا من التزام جانب الصدق والشفافية في تعاملنا مع الآخرين؟ من الذي يمنعنا من اعتماد معايير الجودة والإتقان في كل ما نؤديه أو نقوم به من أعمال؟ هل هناك من يفرض علينا أن ندور “مثل الثور” في ساقية البيروقراطية أو نفضل المحسوبية وخرق القوانين والانتصار للعلاقات الشخصية؟
لا أحد يفرض علينا ذلك، بل لا أحد يطالبنا به.
الإصلاح يبدأ من القيم
البعض منا يعتقد بأن طريق التغيير لا بد أن يمر عبر مشاريع سياسية أو اقتصادية كبيرة. ولا ريب أن ذلك يندرج ضمن خطوات الإصلاح أيضا. ولكن نقطة الانطلاق لا بد أن تأتي من تغيير منظومة القيم العملية. لأن منظومة القيم هي التي سوف تحدد ما إذا كنّا قادرين على الاستفادة من تلك المشاريع والتغييرات أم لا. وما إذا كنّا قادرين على وقف عجلة الفساد والاستبداد أم لا.أول وأهم شرط هو الكف عن تصوير المشاكل في العالم العربي بأنها من إنتاج الآخرين وتآمرهم
هل القيم التي نتبناها هي قيم إيجابية، تشجع على العمل وتقدر الإنجاز؟
هل هي قيم تشجع على الصدق والاستقامة واحترام القوانين والعهود؟
هل هي قيم تحترم حقوق الآخرين وتصون كرامة الإنسان وتحمي البيئة من حولنا؟
إذا لم تتغير منظومة القيم لدينا في الاتجاه الإيجابي، فإن كل تغيير ننشده، سواء كان سياسيا أو غيره، لن يعدوا أن يكون تغييرا شكليا، يحتفل الناس به بعض الوقت، ثم لا يلبثون أن يثوروا عليه وهكذا، كمن يدور في حلقة مفرغة.
لحسن الحظ أن ذلك ليس قدرا محتوما وأن لدينا دائما حرية الاختيار بين أن نظل في تلك الحلقة أو نكسرها مرة وإلى الأبد.