التدخل الأميركي في سورية!

عمران سلمان – الحرة – 21 فبراير 2020/

تميز عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما بالعديد من الاختراقات المهمة على صعيد السياسة الخارجية، ابتداء من قضايا المناخ إلى الدبلوماسية العامة وخاصة في الشرق الأوسط، لكن أعظم اختراقين له كانا هما الاتفاق النووي مع إيران وعدم التورط العسكري في الحرب السورية.

لم يكن سيئا

فالاتفاق النووي، رغم أنه لم يكن مثاليا، إلا أنه كان الأكثر واقعية من جملة الخيارات التي كانت مطروحة. وكان التوصل إليه ثمرة سنوات من العمل الدبلوماسي المضني ليس فقط للمفاوضين الأميركيين، ولكن أيضا للمفاوضين الأوروبيين وبمشاركة غير مباشرة من مسؤولي العديد من دول العالم. وبالتالي لم يكن هذا الاتفاق مجرد قرار أميركي أو من بنات أفكار إدارة أوباما، وإنما كان اتفاقا متعددا، حظي بالإجماع الدولي.

أما قرار الرئيس الحالي دونالد ترامب بإلغائه، فليس بسبب كونه اتفاقا سيئا أو مهادنا لإيران كما يجري تصويره. وإنما لسببين، الأول أن ترامب لم يرد أن يرتبط باتفاق أنجزه سلفه، ويريد إنجازا من صنعه، والثاني أن إسرائيل كانت تعارضه بشدة.الحروب اليوم في معظمها استنزافية، وهي تؤدي إلى تحطم الدول وتآكلها بسرعة

وقد صادف أن الرئيس ترامب قرر أن يلغي كل ما عمله أوباما في البيت الأبيض، وكان قد وعد مسبقا خلال حملته الانتخابية بإصلاح العلاقة مع إسرائيل، التي كانت قد تدهورت على مستوى رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو وإدارة أوباما.

الأمر الملفت أن ترامب نفسه لا يمانع في الحديث مع الإيرانيين. فقد سعى بشتى الطرق للجلوس معهم على طاولة المفاوضات للتوصل إلى اتفاق جديد. ولو وافقوا على ما يريده، لكان الآن يفاوضهم وربما توصل إلى اتفاق لا يختلف كثيرا عما توصل إليه أوباما.

ترامب على خطى أوباما

فيما يتعلق بالأزمة السورية كان من المفارقات البارزة أن إدارة ترامب لم تذهب في الاتجاه المعاكس، بل سارت على نفس النهج الذي اختطته إدارة أوباما في عدم التدخل العسكري، ثم زادت عليه بأن نفضت يدها تقريبا من الملف السوري كله. ولم تعد تتحدث عن تغيير النظام أو عن مستقبل بشار الأسد في حكم سوريا.

قد يكون لوعد ترامب بعدم الانخراط في مشاكل المنطقة دور في ذلك، وخاصة لجهة التكاليف والأعباء المالية والعسكرية التي قد تتحملها الولايات المتحدة نتيجة هذا التدخل. لكن الأمر المؤكد أنه يعكس قناعة داخلية أميركية وتوافقا شعبيا على عدم المشاركة في حروب الشرق الأوسط.

للأسف هناك كثيرون في المنطقة حتى الآن يتخذون موقفا سلبيا من إدارة أوباما بسبب عدم تورطها العسكري في الحرب السورية، رغم أن عواقب هذا التورط لم يكن ليرضى عنها حتى أولئك الذين سعوا بكل طاقتهم لتبرير حدوثه.

سيناريو مرجح

فقياسا لما حدث في أفغانستان والعراق، وحالة سوريا ليست أقل تعقيدا، فإن الإدارة الأميركية سوف تكون محظوظة لو تمكنت من إقناع الفصائل “الجهادية” المسلحة والإخوان المسلمين والأكراد بتشكيل حكومة مؤقتة في البلاد. وسوف تكون محظوظة أكثر لو استطاعت أن تبقي هذه الحكومة على قيد الحياة لفترة معقولة.

وسوف تكون محظوظة لو لم يصطدم الوجود الأميركي بعمليات انتحارية من جانب تنظيمي “القاعدة” و”داعش” وغيرهما، ممن سوف يجدونها فرصة لتسوية بعض الحسابات مع القوات الأميركية.

وسوف يتعين على الولايات المتحدة أن تخطط للبقاء سنوات طويلة في سوريا، من أجل الحفاظ على الوضع الهش الذي سوف ينشأ نتيجة تعقيدات الوضعين المحلي والإقليمي.

ثم بمجرد أن يستتب الأمر لإحدى الفصائل أو تحالف من الفصائل، سوف تطالب الولايات المتحدة بإجلاء قواتها من البلاد. وسوف يكون ذلك أيضا شعارا يحظى بالرواج والتصفيق في العالم العربي!

ثم سوف يخرج رئيس أميركي جديد، ليقول: انظروا ماذا جنينا من الذهاب إلى سوريا؟ لقد أنفقنا المليارات وقدمنا تضحيات جسام من أرواح جنودنا وموظفينا، وماذا حدث بعد ذلك، إنهم يطردوننا من البلاد التي حررناها من الديكتاتورية!

ما هذا الغباء؟

ألا يبدو هذا السيناريو مألوفا؟ أليس هو ما يمكن أن يحدث في الحالة السورية؟ 

طبعا هذا إذا سارت الأمور كلها على ما يرام من دون تعقيدات أو مفاجئات، وهو أمر مستبعد وإن كان ممكنا.لهذا السبب بالذات فرمل الرئيس أوباما قرار الذهاب إلى الحرب في سوريا

والحال أن الولايات المتحدة قادرة على الدخول في حرب ضد أي جيش نظامي والانتصار فيها، لكن الحروب المباشرة لم تعد هي السمة الأساسية في عصرنا هذا. الحروب اليوم في معظمها استنزافية، وهي تؤدي إلى تحطم الدول وتآكلها بسرعة، وما ينتج عن ذلك من فوضى وتفكك.

وسوف يتعين على المنتصر أن يدفع تكلفة الهدم ثم تكلفة البناء. ولن يستطيع أن يغادر ويترك الخراب وراءه. أو كما يقول المثل الأميركي: أنت كسرته فأنت تصلحه. وهناك طبعا من سوف يتساءل حينها، كما فعل الرئيس ترامب بالنسبة لحروب المنطقة، لماذا كل ذلك؟ ما هذا الغباء؟

لهذا السبب بالذات فرمل الرئيس أوباما قرار الذهاب إلى الحرب في سوريا، رغم صراخ المحللين الأمنيين والسياسيين المرتبطين بصناعة السلاح الأميركية، وقرر عدم التورط العسكري. هل كان محقا في قراره؟ أعتقد ذلك إلى حد كبير. وقراره كان لمصلحة الولايات المتحدة ولمصلحة سوريا والسوريين، وإن بدا خلاف ذلك.

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *