عمران سلمان – الحرة – 7 فبراير 2020/
الجدال الذي دار بين شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب ورئيس جامعة القاهرة د. محمد الخشت على هامش “مؤتمر الأزهر العالمي للتجديد في الفكر الإسلامي” الذي عقد يومي 27 و28 يناير الماضي في القاهرة، والذي خلف صدى إعلاميا كبيرا، كان ظاهريا بشأن الموقف من التراث، (التراث هنا مجرد تعبير رمزي)، لكن في جوهره كان بشأن الدين الإسلامي نفسه.
حدود التجديد
ولعل هذا هو سبب حدة رد شيخ الأزهر على كلمة رئيس جامعة القاهرة، وتحذيره من مغبة المساس بالتراث وإشارته ضمنا إلى أن دعوات التجديد ـ التي قال إنها متضمنة في التراث نفسه وليست بأمر جديد ـ هي محاولة للتخلي عن الدين بدعوى الحداثة والتجديد.
للإنصاف فإني لم أر اختلافا كبيرا في حديث الرجلين، سوى أن رئيس جامعة القاهرة ذهب مدى أبعد في مطالبته بالتجديد، حيث أكد على “ضرورة تجديد علم أصول الدين بالعودة إلى القرآن وما صح من السنة النبوية”، وإلى “تغيير طرق التفكير وإجراء تحليل نقدي وعلمي للتراث”، وإلى “امتلاك رؤية عصرية جديدة إلى القرآن الكريم بوصفه كتابا إلهيا مقدسا، من خلال الاستفادة من مناهج العلوم الإنسانية الحديثة”.الإصلاح هو إجراء تغيير على شيء قائم بهدف إعادة ضبطه وتحسينه وليس إلغاءه
بعبارة أخرى فهو يدعو إلى التجديد من داخل الدين نفسه، ولكن عبر أدوات عصرية، وبرؤى تتناسب مع وقتنا الراهن، انسجاما مع كون القرآن صالح لكل زمان ومكان.
فحتى الآن كانت محاولات التجديد تسير بالمقلوب، فبدلا من تفسير القرآن تفسيرا عصريا جديدا، كان يتم تفسير العصر الحديث من خلال القرآن!
التوجس القديم
لكن هذه الحساسية الشديدة التي يبديها رجل الدين وتاليا المؤسسات الدينية، تجاه كل حديث أو دعوة للإصلاح أو التجديد أو التحديث هي رد فعل غير واع على الأسئلة والتحديات التي يطرحها عصرنا الحالي بشأن ضرورة إعادة تعريف موقع الدين في الحياة العامة والخاصة، وعلاقة الدين بالحرية والفردية والاختيارات الشخصية.
وهي أسئلة بحاجة إلى إجابات جديدة وليس العودة للاستشهاد أو اجترار ما هو قديم. كما لا ينفع هنا أيضا محاكمة نوايا دعاة التجديد واستحضار سيناريوهات، هي غير موجودة في معظم الأحيان.
إن الحقيقة التي كانت وسوف تظل ماثلة أمام المسلمين، هي كيف نتعامل مع كل هذا الموروث الديني، وأين نضعه من حياتنا؟ وهل نتعامل معه بوصفه أمرا من حقنا أن نفكر ونجتهد فيه كأفراد أم نتركه على حاله، وهل يحق لكل فرد أن يتعامل مع الدين على المستوى الشخصي، أم يفوض أمره لرجال الدين أنفسهم كي يحددوه له؟
إجابات جديدة
لا شك أن الدنيا تغيرت كثيرا خلال المئة عام الماضية وتسارع التغيير أكثر خلال العشرين عاما الأخيرة بفضل التكنولوجيا الحديثة، وباتت تلك الأسئلة تطرح نفسها بحدة، وما عادت الإجابات التقليدية عليها كافية أو مقنعة.دعوات التجديد الديني لم تعد ترفا وإنما حاجة ملحة
فلم يعد الدين اليوم عاملا فاعلا في العديد من مناحي الحياة المدنية. وباستثناء قضايا الأحوال الشخصية ومسائل الحج ورمضان والأعياد، فإن جميع القوانين المنظمة للعلاقات التجارية والاجتماعية والسياسية هي قوانين مدنية. كما أن الوزارات والهيئات الحكومية والعلاقات مع الدول الأخرى تدار بطرق حديثة.
وبحسب العديد من الاستبيانات واستطلاعات الرأي فإن هناك عدد قليل ولكن متزايد من المواطنين العرب، باتوا يبحثون عن طرق جديدة للمصالحة ما بين إيمانهم الديني ومتطلبات عصرهم، وهم أصبحوا أكثر انفتاحا على الأفكار والطرق التي تساعدهم على التطور الذاتي وإشباع الجوانب الروحية لديهم، بعد أن تيبس الخطاب الديني التقليدي وحصر نفسه في المظاهر والشكليات، أو تحول إلى سلاح للتدمير والقتل بيد الجماعات المتطرفة.
لم تعد ترفا
هذا الواقع كان يفترض أن يؤدي إلى سهولة إجراء مراجعات وتجديدات فيما يتعلق بدور الدين في مجتمعاتنا وفي الحياة العامة، لكن للأسف لا يحدث ذلك. والسبب باعتقادي يعود إلى أمرين. الأول هو تشبث رجال الدين والمؤسسات الدينية بمواقعهم ومقاومتهم لإجراء أي تغيير أو تطوير أو تحديث لدورهم، ولدور مؤسساتهم. والثاني، أن الحكومات لا تعتبر هذه المسألة أولوية لها، ما دام أن تأثيرها ليس ظاهرا أو ملموسا في الحياة السياسية.
والواقع أن دعوات التجديد الديني لم تعد ترفا وإنما حاجة ملحة، والمطلوب هو تشجيع النقاش والحوار بشأنها، مع ملاحظة أن غالبية دعوات الإصلاح لا تهدف إلى إقناع المسلمين بالتخلي عن دينهم، فالإصلاح هو إجراء تغيير على شيء قائم بهدف إعادة ضبطه وتحسينه وليس إلغاءه، وإلا لما سمي إصلاحا.
ولعل أحد المحاور الكبرى للإصلاح هو فكرة أن يكون الدين خيارا شخصيا وعلاقة إيمانية خالصة بين الإنسان وربه. وهو أمر حدث ويحدث في المسيحية وفي اليهودية وفي غيرهما، وهو قضية سوف تظل أيضا قائمة ومفتوحة للبحث والتأمل بين المسلمين.