عمران سلمان – الحرة – 31 يناير 2020/
لا يوجد أكثر بديهية من القول إن كل صفقة لا بد لها من طرفين، ولكي تنجح يتعين أن يوافق الطرفان عليها. رفض أحدهما لها كفيل بفشلها. ولا يتعلق الأمر هنا بما إذا كانت هذه الصفقة جيدة أم سيئة، بقدر ما يتعلق بحصولها على الرضا والقبول.
مع ذلك فقد قررت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن تتجاوز هذه البديهية وتجترح طريقا آخر، عبر الإعلان عما سمي بـ”صفقة القرن”.
مقاربة خاطئة
إن السؤال هنا هو لماذا حرصت الإدارة الأميركية على إعلان صفقتها في ظل رفض الفلسطينيين المعلن لها؟ وما الهدف منها إذا كانت سوف تأخذ بعين الاعتبار المطالب الإسرائيلية فقط؟
قد تكون هي الرغبة في تحقيق إنجاز ما، أو ربما هو الاعتقاد بأن الوقت قد حان أخيرا لإبرام اتفاق بين الفلسطينيين والإسرائيليين. أو ربما أيضا تكون بمثابة بالون اختبار لما يمكن الموافقة عليه، خاصة أنها جاهزة منذ فترة وخشي أن تبقى حبيسة الأدراج.عملية السلام نفسها لم تكن من اختراع الفلسطينيين أو الإسرائيليين، وإنما كانت عملية دولية
بالتأكيد لا ينبغي لنا أن نحاكم النوايا هنا، أو نبحث في دوافع الإدارة الأميركية من وراء طرح خطتها وفي هذا التوقيت بالذات، فهذا أمر ليس مهما بذاته في ما يخص هذه القضية. الأمر المهم باعتقادي أن الإدارة قد سلكت منذ البداية طريقا لم يكن ليوصل إلى نتيجة مقبولة من الجانب الفلسطيني.
وبخلاف خطط السلام الأميركية السابقة لحل النزاع، فإن هذه الإدارة لم تحرص على الحصول على موافقة الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، وتصرفت بمنطق الحلول المنفردة والمبالغة في التعظيم من شأن الواقع على الأرض بوصفه المعيار الوحيد. وبالتالي فقد جردت نفسها من أهم سلاح يمكن استخدامه للوصول إلى حل عادل ومرض للصراع؛ ألا وهو استمالة الطرفين وإقناعهما بالجلوس على طاولة المفاوضات.
رفض متوقع
والحقيقة أنه من الصعب لوم الفلسطينيين في رفضهم لخطة ترامب. فهو لم يعطهم أي مجال لقبولها ولو في الحد الأدنى. فقضايا الوضع النهائي التي كان يفترض التفاوض بشأنها، وهي القدس واللاجئين والمستوطنات وحدود عام 1967، جرى حسمها من قبل الإدارة الحالية بحسب ما تريده إسرائيل. وقد تم التعامل مع الفلسطينيين، بمنطق إما أن تقبلوا ما يعرض عليكم أو لن تحصلوا على أي شيء.
ولكن هذا كان يفترض أن يكون منطق الإسرائيليين مثلا وليس منطق الولايات المتحدة، التي يفترض أنها وسيط للسلام، وليس طرفا يقرر مصير القضايا مثار الخلاف.
علينا أن نتذكر أن عملية السلام نفسها لم تكن من اختراع الفلسطينيين أو الإسرائيليين، وإنما كانت عملية دولية، لعبت الولايات المتحدة فيها دورا مركزيا بحكم ثقلها وقدرتها على التأثير على الأطراف المتفاوضة، بما في ذلك الدول العربية.
انعدام الثقة
والحال أن الخطة التي كشف عنها ترامب يوم الثلاثاء، قد لا تكون هي الأسوأ من بين الخطط التي عرضت حتى الآن (على الأقل في تناغمها مع الوضع الحالي القائم على الأرض)، وقد نعثر على بعض الإشارات الإيجابية هنا وهناك، لكنها شأنها شأن غيرها من الخطط، تعد بالكثير ولا تقدم فعليا سوى القليل. وهذا القليل نفسه خاضع للتفاوض والمساومات.حملت الخطة الجديدة كل مواصفات الفشل بداخلها
إنها تربط الحل بالمستقبل وبتوافر الثقة والنية الصادقة في السلام بين الجانبين، وهما عنصران غير متوافرين في الوقت الراهن. بل أن الفلسطينيين فقدوا ثقتهم تماما في إدارة ترامب، وبالتالي فإنها مهما قدمت لهم من وعود أو اجترحت من حلول فلن تقابل سوى بالتشكيك والرفض.
في ظل هذا المناخ، وفي ظل الرفض الفلسطيني الشامل، من المستبعد أن تجد هذه الخطة أي مجال للتطبيق أو تكون لها أية فائدة عملية. ومن المستبعد أن تتحمس لها أية دولة عربية أو إسلامية، أو تبادر إلى إقناع الفلسطينيين بدراستها، ناهيك عن القبول بها.
بذور الفشل
بمعنى آخر فإن ما بدا أنه خطة للسلام، اتضح أنه مجرد وجهة نظر أو قراءة أو رغبة أميركية لما ينبغي أن يكون عليه السلام، وهي لا ترقى إلى أن تشكل حلا، يستند إلى مصالح الطرفين ويستجيب لحاجاتهما وطموحاتهما القومية.
ربما لو راعت الخطة مطالب الفلسطينيين، مثلما راعت مطالب الإسرائيليين، وسعت إلى التدرج في تطبيقها، لكان أمامها فرصة للنجاح. ففي هذه الحالة هي تترك مجالا أو فسحة للمستقبل يمكن من خلاله العمل على تهيئة الظروف المناسبة لتنفيذها.
أما في حالتنا هذه فلم يترك شيئا للفلسطينيين كي يفاوضوا عليه، بل طلب منهم القبول بالوضع الراهن (الذي يرفضونه)، والتخلي عن أية مطالب يحملونها، وفي الوقت نفسه عليهم أن يثبتوا أنهم جديرون بالحصول على ما هو موجود أصلا. لقد حملت الخطة الجديدة كل مواصفات الفشل بداخلها.