عمران سلمان – الحرة – 24 يناير 2020/
يعتبر وضع محافظة إدلب السورية معقدا على نحو خاص. فبعد تسع سنوات من الحرب الأهلية، وخمس سنوات على خروجها من سيطرة الحكومة، لا تزال هذه المحافظة تصارع من أجل البقاء والتجديف عكس اتجاه الريح في سوريا.
مصير مجهول
ووجه التعقيد يكمن في أن إدلب خاضعة بجزء كبير منها لسيطرة تنظيم “القاعدة” (المعروفة باسم “هيئة تحرير الشام”) وغيره من الجماعات الجهادية المتطرفة من جهة، ومن جهة أخرى فإن أي هجوم واسع عليها من الجيش الحكومي، من شأنه أن يضع حياة أكثر من ثلاثة ملايين إنسان في دائرة الخطر. ومن جهة ثالثة تتمسك تركيا بنفوذها في المحافظة، لأنها تشكل لها خزانا من المقاتلين السوريين وغير السوريين، وحاجز صد من تدفق اللاجئين نحو أراضيها.
هذا الوضع المعقد يجعل من مصير إدلب مجهولا إلى حد ما، ويطيل من أمد معاناة سكانها. كما أن الجمود الذي يصاحب الحالة الراهنة يفاقم من حجم المأساة. ولكن السؤال الطبيعي يظل يفرض نفسه، وهو، إلى متى يمكن أن يستمر هذا الوضع، وهل باستطاعة الراغبين في إدامته أن يقدموا ما يسعفهم من مبررات أو حجج مقبولة أو عملية؟
لا حل سياسي
حتى الآن نجحت الاتفاقات والتفاهمات الروسية والتركية في تأجيل الحسم العسكري في المحافظة، لكن هذه التفاهمات، والتي أملتها حسابات عملية وسياسية، لم تتطرق إلى إيجاد أي حل عملي.
وذلك مفهوم بالنظر إلى أنه لا موسكو ولا أنقرة تملكان حلا على المدى البعيد، خارج إطار الدولة السورية. فالتمركز التركي في إدلب يظل غير قانوني وغير شرعي مهما اتخذ له من مبررات أو ذرائع. والروس يرغبون في عودة إدلب إلى كنف الدولة، ولكن ذلك لن يحدث من دون إخراج الجماعات الجهادية وحل حكومة الإنقاذ التابعة لها.الحلول السياسية تبدو شبه معدومة فيما يتعلق بمصير إدلب
وهنا بالذات تكمن العقدة. فطوال السنوات الماضية استقطبت إدلب غالبية المسلحين وعائلاتهم، بعد خروجهم من مختلف المناطق التي سيطرت عليها القوات السورية. كما شهدت أيضا موجات نزوح من عدد من المناطق. وبالتالي لم يعد أمام هؤلاء سوى القتال دفاعا عن معقلهم الأخير وعن وجودهم.
إعادة تأهيل إدلب!
في الوقت نفسه يبدو من الصعب إعادة تأهيل المحافظة التي بات جزءا كبيرا تحت الإدارة المباشرة لتنظيم “القاعدة” (“هيئة تحرير الشام”) وحلفائه، بعد نجاحهم في تصفية نفوذ باقي الفصائل المنافسة.
فالأوضاع داخل إدلب وريفها تبدو مأساوية، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، جراء الأتاوات والضرائب وانتشار الفساد والمحسوبية بين أعضاء المجالس المحلية التي شكلتها “حكومة الإنقاذ” التابعة لـ”القاعدة”، وكذلك “الوزراء” أنفسهم والأمراء العسكريين من قادة التنظيم.
وحتى المنظمات الإنسانية العاملة هناك تجد صعوبة في إيصال مساعداتها إلى المحتاجين، بسبب استيلاء أفراد “حكومة الإنقاذ” على معظم تلك المساعدات، إما عن طريق الاحتيال والنصب أو استخدام القوة وفرض الأمر الواقع أو في أحيان أخرى لاضطرار تلك المنظمات لتقديم رشى من أجل المحافظة على عملها. وهناك أنباء أيضا عن انتشار خلايا لتنظيم “داعش” في المحافظة.
كذلك من الصعب على أية دولة إقليمية أو دولية أن تقارب بشكل جدي ملف إدلب من دون الاشتراط أولا حل مشكلة الجماعات الجهادية.
الحل التركي
يميل الأتراك إلى استثمار الوضع الحالي في إدلب من عدة وجوه. فمن جهة يتيح لهم الوجود العسكري المباشر نفوذا في سوريا وأزمتها، وبالتالي يمكن استخدامه ورقة في المفاوضات في العديد من الملفات ولاسيما الملف الكردي، ومن جهة أخرى، مكنهم هذا الوجود من استقطاب المسلحين وإنشاء ميليشيات خاصة بهم تقاتل تحت العلم التركي.يميل الأتراك إلى استثمار الوضع الحالي في إدلب من عدة وجوه
ومن جهة ثالثة، استثمار ورقة اللجوء واللاجئين في المفاوضات مع الأوروبيين، وأخيرا وفي حال قررت القوات السورية استعادة إدلب، والقضاء على الجماعات الجهادية، فيمكن توجيه النازحين منها باتجاه مناطق الشمال السوري، لإسكانهم في المناطق الكردية وخلق حزام عربي على حدودها الجنوبية. ولهذا السبب بالذات لم تسع تركيا إلى الاستثمار في البقاء في إدلب، بقدر استثمارها في إدامة الوضع الراهن أطول فترة ممكنة.
السيناريو المحتمل
من هنا، فإن الحلول السياسية تبدو شبه معدومة فيما يتعلق بمصير إدلب. فلا أحد من الأطراف الرئيسية، الروس والأتراك والسوريين، راغب في الاستثمار في تلك الحلول، فيما يقف المجتمع الدولي عاجزا أمام منع أو تغليب خيار دون آخر.
يبقى الحل العسكري هو الذي يلوح في الأفق. ولا يستبعد أن يدفع الأتراك، بشكل مباشر أو غير مباشر الجماعات الجهادية، سواء “القاعدة” أو تنظيم “حراس الدين” أو “التنظيم التركستاني”، إلى التصعيد ومهاجمة مواقع القوات الحكومية سواء في حلب أو حماة، بهدف فتح جبهة رئيسية يتسنى بعدها لقوات دمشق والقوات الروسية أن تقوم بمهمة القضاء على تلك الجماعات، وإجبار مئات آلاف السكان على النزوح نحو المناطق التي تحددها لهم تركيا.
هذا السيناريو لن يبدو مستغربا في حال حدوثه، بالنظر إلى أن الوضع الحالي، والذي سعت أنقرة إلى الإبقاء عليه ولكن من دون أفق، وموسكو ودمشق مضطرتين، آخذ في التدحرج نحو الصدام.