الجميع تنفس الصعداء ولكن إلى حين!

عمران سلمان – الحرة – 10 يناير 2020/

من الواضح أن الجميع قد تنفس الصعداء، بعد أن نفذت إيران هجماتها الصاروخية “الرمزية” على قاعدتين عراقيتين تضمان قوات أميركية من دون إيقاع خسائر في الأرواح، رغم التهديد والوعيد الصادرين من طهران عن “الرد الانتقامي” على اغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس.

لا أحد يريد الحرب

والنتيجة التي لا بد أن الكثيرين لاحظوها هي أنه لا إيران ولا الولايات المتحدة تريدان حربا شاملة، ليس فقط بسبب أن مثل هذه الحرب ليست في مصلحتهما، وإنما أيضا لأنه ليس لها من هدف واضح ولن تحقق أي نصر استراتيجي لأي من البلدين.رغم أن الخطر الأكبر، وهو الحرب ربما انتهى، مؤقتا على الأقل، فإن الأخطار الأخرى تبقى ماثلة

على العكس فإن الحرب ستسبب خسائر فادحة للإيرانيين، ولدول الخليج وللمصالح الأميركية في المنطقة، فضلا عن الاقتصاد العالمي. فيما تستعد الولايات المتحدة لانتخابات رئاسية وآخر ما تريده هو الانشغال في حرب أخرى في الشرق الأوسط.

لكن هذا ليس كل ما في الأمر طبعا، لأن الأزمة التي قادتنا إلى هذه المرحلة لا تزال قائمة. ورغم أن الخطر الأكبر، وهو الحرب ربما انتهى، مؤقتا على الأقل، فإن الأخطار الأخرى تبقى ماثلة.

والسؤال هو إلى أين تذهب المنطقة من الآن وصاعدا؟

الخطر لا يزال قائما

إيران اكتسبت جرأة دون شك، بعد مقتل سليماني، الذي يبدوا أنه أشعل حماسة حلفائها وآخرين غيرهم، ومنحهم مهمة جديدة في المنطقة وهي العمل على إخراج القوات الأميركية. وبالمناسبة فإن هذا الشعار هو نفسه الذي استخدمه زعيم تنظيم القاعدة بن لادن في سنواته الأولى وإن كان قد أقصره على الجزيرة العربية فقط.

وليس هناك ما يدعو لاستبعاد أن تشجع إيران حلفائها على القيام بهجمات عسكرية متنوعة، سواء كانت ضد الوجود الأميركي في العراق أو في الخليج أو في المنطقة عموما. عمليات من هذا النوع ربما نشهدها في الأيام المقبلة بعد إعلان طهران أن “ردها الانتقامي” على مقتل سليماني قد تحقق بالهجوم الصاروخي. وهذا النوع من العمليات يتقنه الإيرانيون، بسبب الخبرة التي اكتسبوها طوال السنوات الماضية في العمل مع الجماعات والميليشيات التابعة لهم.

قلع شوكهم بأنفسهم

والسؤال هو كيف سترد الولايات المتحدة على “حرب استنزافية” من هذا النوع؟

حينما يتعلق الأمر بالاستهداف المباشر للمواطنين الأميركيين، فإن الإجابة واضحة وهي أن الولايات المتحدة لن تتسامح في ذلك وهي سوف ترد على أي تهديد أو هجمات.

أما فيما يتعلق بالوضع العام، فإن الإدارة الحالية أرسلت رسائل متضاربة، لكن فحواها يبقى واحدا وهو أنها ليست بصدد الاستثمار أو تقديم أكثر مما قدمته حتى الآن للحفاظ على أمن واستقرار المنطقة، وأنها تفضل أن يعتمد حلفاؤها على أنفسهم في “قلع شوكهم” ومواجهة التهديدات الإقليمية، بدلا من مطالبة الولايات المتحدة بإرسال جنودها للحرب عنهم في كل مرة.دول الخليج من جانبها حاولت النأي بنفسها عن التطورات التي جرت في الأيام الماضية

وكان الرئيس ترامب واضحا، في القول وفي أكثر من مناسبة، إن بلاده لا ترغب في الانغماس في مشاكل المنطقة وحروبها الصغيرة والكبيرة، مما يمكن أن يستنزف جهودها وطاقاتها البشرية والاقتصادية والسياسية، وأيضا تضيع معه الحكمة والدروس المستخلصة من حربي العراق وأفغانستان.

هذا لا يعني أن هذه الإدارة سوف تنسحب أو تتخلى كليا عن المنطقة، أو على الأقل ليس تحت ضغط الإيرانيين، لكنه يعني أن على دول الخليج، بما في ذلك العراق، التدخل والاضطلاع بدور أكبر في إيجاد الحلول للأزمات الناشئة.

مرحلة جديدة

والحال أنه إذا كان ثمة استخلاص لما جرى في الأيام والأسابيع الماضية، فهو أنه رغم تراجع احتمالات الحرب الأميركية الإيرانية المباشرة، فإن هذه الحرب قد تتخذ أشكالا أخرى، تحت مسميات وذرائع مختلفة، بما في ذلك أعمال التخريب واستهداف المنشآت وربما الاغتيالات.

وهذا يعني أن المنطقة مقبلة، للأسف، على مرحلة جديدة من التصعيد وليس الهدوء، وأن إيران والجماعات التابعة لها، تبدو مصممة على الاستثمار في هز الاستقرار والأمن في المنطقة وتحدي الواقع الراهن.

دول الخليج من جانبها حاولت النأي بنفسها عن التطورات التي جرت في الأيام الماضية، داعية إلى التهدئة وتفضيل الحلول السياسية، وذلك إدراكا منها (وهي محقة) بأن المنطقة ليس باستطاعتها تحمل حرب جديدة. لكن ذلك ليس كافيا لوحده، ما لم يتحول إلى استراتيجية فاعلة تجعل من هذه الدول شريكة في الحلول وليس مجرد طرف يواجه الأزمات بالابتعاد والنأي عنها.

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *