إسلام المتشددين يقتل الفطرة السليمة!

عمران سلمان – الحرة – 26 يونيو 2020/

لفت نظري بعض ردود الفعل على حادث انتحار الناشطة سارة حجازي، وخاصة تلك التي وجدت في الأمر فرصة للتشفي وتصفية حسابات وبث مشاعر الكراهية والبغضاء ضد الآخر المختلف.

غياب الإنسانية

في عدد من الردود قد يبدو ظاهريا أن ثمة شيئا من المنطق، وخاصة تلك التي “تتحدث باستغراب، عن السبب وراء الاهتمام بقضية حجازي، فيما هناك الكثير من الحوادث وأعمال الاضطهاد والقتل التي لا ينتبه إليها أو يتحدث عنها أحد!”.

أقول إن في هذه الردود بعض المنطق، من الناحية الشكلية على الأقل، لكن من ناحية الجوهر فقد فات على هؤلاء أن المسألة ليست في الانتحار ولا في الهوية الجنسية لحجازي، ولكن في مسألة الإنسانية. أي أن هؤلاء تجردوا بالفعل من هذه القيمة، حين لم يروا في “سارة حجازي” إنسانا قبل كل شيء وبعده.

بدلا من صورة إله الرحمة والحب والجمال والخير للإنسانية، يتم استبدالها بصورة الإله المتعطش للدماء والحروب والغزو

وبعضهم حتى وهو يبرر وجهة نظره، لم ينس أن يسيء إلى المثليين ومجتمعهم بالإصرار على وصفهم بالشذوذ أو ما شابه، وهي إساءة متعمدة للحط منهم وتأليب الرأي العام ضدهم.

بالطبع هناك عدد لا يستهان به ممن يعيشون في منطقتنا (حكومات وأفرادا) لم يعودوا يعرفون أو يقيمون وزنا للإنسان. وقد لا يكون هذا ذنبهم كليا. فأنماط التعليم والتربية والضخ الأيديولوجي أفقد كثير من العرب والمسلمين إنسانيتهم.

وقد لعب إسلام المتشددين تحديدا دورا كبيرا في سلب الإنسانية من الإنسان واستبدلها بفهمه للدين، فحيثما وجد “إنسان” يتم استبداله بصورة أوتوماتيكية بـ”مسلم”، وحيثما وجد “مسلم” يتم استبداله بصورة منهجية بـ “مجاهد” باليد واللسان والقلم!

قتل الفطرة 

يأتي الطفل إلى الدنيا وبه جميع الممكنات التي وهبها الله له، من فطرة سليمة ونزوع نحو الخير والجمال والانسجام وكره للظلم والقبح، لكن إسلام المتشددين، أول ما يفعله هو مهاجمة وقتل هذه الفطرة في الإنسان، عبر التلقين والتعليم والأدلجة. ما هي طبيعة هذه الأدلجة؟

تقوم هذه الأدلجة على عدة عناصر رئيسية:

أولا، تشويه صورة الله في قلب الإنسان. فبدلا من صورة إله الرحمة والحب والجمال والخير للإنسانية، يتم استبدالها بصورة الإله المتعطش للدماء والحروب والغزو، الإله الذي يطلب من “عباده” أن ينتقموا له ويعذبوا ويقتلوا باسمه!

ثانيا، قتل العلاقة بين الإنسان وبين أقرب الناس إليه، مثل الوالدين. فبدلا من تلك العلاقة السوية والطبيعية والفطرية لأي إنسان تجاه أسرته، فإنها تستبدل بعلاقة مشروطة بالدين والاعتقادات الدينية، بحيث يمكن للإنسان وفقها أن يصل إلى مرحلة لا يمانع فيها من قتل والديه أو نبذهما إذا اتضح أنهما لا يسيران وفق/أو لا يوافقان على تلك الاعتقادات.

سلب الإنسانية من الإنسان هو أخطر ما يواجهه العالم العربي والمجتمعات الإسلامية اليوم، بل هو أخطر ما تواجهه البشري

ثالثا، قتل العلاقة بين الإنسان وبين أخيه الإنسان. وفق هذه الأدلجة فإن ما يجمع بين البشر ليس هو الرباط والجوهر الإنساني المشترك، وإنما الاشتراك في العقيدة والدين من عدمهما. وفي حالة لم يوجد مثل هذا الاشتراك، فإن الآخر يمكن أن يتحول في أية لحظة إلى هدف مشروع لسيوف وبنادق المسلمين!

رابعا، تشويه ذات الإنسان نفسه عن نفسه من حيث المقاصد الكلية في الحياة. فالإنسان هنا لا يغدوا هو الأصل والهدف من خلق الكون كله وعلاقته الخاصة وغير المشروطة بالخالق، وإنما يتحول إلى مجرد ترس ديني صغير في عجلة الأيديولوجية الإسلامية.

إعادة تأهيل

بهذه الطريقة يتم قتل فطرة الإنسان وتشويه وعيه وغسل دماغه، حتى يتحول إلى آلة يمكن برمجتها وتوجيهها في أي وقت ونحو أي هدف.

فالذين يقومون بالعمليات الانتحارية والذين يذبحون الناس والذين يقومون بتعذيب الآخرين (ويوجد غير إسلاميين يفعلون ذلك أيضا)، هؤلاء جميعا مسخت إنسانيتهم. تم استبدالها بهويات أخرى، وتم قتل ما هو فطري لديهم.

وسلب الإنسانية من الإنسان هو أخطر ما يواجهه العالم العربي والمجتمعات الإسلامية اليوم، بل هو أخطر ما تواجهه البشرية. لأن الاستعداد لممارسة القتل والعنف الجسدي واللفظي، لم يعد مرتبطا بمنافاته للقيم والأخلاق والإنسانية، وإنما بالقدرة والتمكن على ممارسته من عدمها. بمعنى أنه بالنسبة لهؤلاء ففي اللحظة التي تكون لديهم فيها القوة أو المقدرة أو الظروف المناسبة فإنهم لا يتورعون عن ممارسة ذلك في أي مكان يوجدون فيه. إن الأمر هو مسألة وقتية أو ظرفية بالنسبة لهم ولم يعد مسألة مبدئية.

هل يمكن عمل شيء لمواجهة هذا الخطر؟ بالطبع، يمكن عمل الكثير، لكن أيا كان هذا الشيء فهو لا بد أن ينطلق من إعادة التأهيل ومساعدة هؤلاء على استعادة إنسانيتهم، لأن معاملتهم بالمثل سوف تعني الانحدار إلى نموذجهم، بدلا من رفعهم نحو الأعلى.

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *