عمران سلمان – الحرة – 03 يوليو 2020/
لست من مؤيدي النظام السوري ولست من المعجبين به، وإن كنت من المذكّرين دوما بخطر الجماعات الإرهابية مثل “داعش” و”النصرة” و”أحرار الشام” وغيرها، لكن يحزنني أن أرى كيف أن بعض المعارضات وبعض الشعوب وبعض الحكومات العربية تساهم في تخريب أوطانها ولف الحبال على رقبتها الآن وفي المستقبل، حتى وهي تشعر بنشوة الانتصار الوهمي، ثم بعد ذلك بفترة تعود وتلوم الدول الكبرى والصغرى في مأساتها وكوارثها.
الهدف الحقيقي
ينطبق ذلك على قانون قيصر، كما ينطبق على أمثلة كثيرة وقعت في العديد من البلدان العربية.
ما هو مضمون هذا القانون وما الغرض من تطبيقه؟ السياق العام هو لمعاقبة النظام السوري على الجرائم التي ارتكبها بحق المدنيين وخاصة في المعتقلات والسجون. هذا هو السياق، لكنه ليس الهدف من القانون. الهدف هو ما توضحه أسباب تطبيقه، أو بالأحرى الشروط التي يجب تنفيذها حتى يتسنى إلغاؤه. فما هي؟
تشير معظم التكهنات إلى أن النظام السوري حتى إذا تمكن من النجاة من قانون قيصر، وهو أمر لن يكون سهلا، فسوف ينضم إلى قائمة الأنظمة المعزولة والمنغلقة مثل كوريا الشمالية وفنزويلا
إذا أزلنا تلك الأسباب المتعلقة بالسياق والمتمثلة في “محاسبة الجناة على جرائم الحرب” و”تهيئة الظروف لعودة آمنة وطوعية للاجئين”؛ وغيرها، فإن ما يتبقى هو الأهداف الحقيقية للقانون وهي “الكف عن رعاية الإرهاب”، و”قطع علاقاتها مع القوات العسكرية الإيرانية والجماعات المدعومة من إيران” و “التخلي عن عدائها لدول الجوار في المنطقة”.
بمعنى آخر فإن الهدف من القانون هو إنهاء التهديدات غير المسبوقة لإسرائيل والتي يشكلها وجود القوات الإيرانية والميليشيات التابعة لها على الأرض السورية وخاصة في جنوبها الغربي (بعد عام 2011)، وأيضا التخلص من كون سورية ممرا أو معبرا للمساعدات العسكرية الإيرانية لـ “حزب الله” اللبناني، ما يؤدي إلى إضعاف هذا الأخير وشل قدراته العسكرية.
وقد كان المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا جيمس جيفري واضحا حين أطلق نداء أخيرا لدمشق قبيل سريان تطبيق القانون، والذي اعتبره عرضا للنظام، برفع العقوبات مقابل تغيير سلوك الحكومة السورية، والمتمثل في التوقف عن إيواء “الإرهابيين” والحد من الوجود العسكري الإيراني في البلاد.
عقوبات ممتدة
أقول هذا هو السبب الحقيقي وراء قانون قيصر، فهل يحقق هدفه أم لا، هذا أمر متروك للمستقبل. لكن العقوبات تسعى إلى تحقيق ذلك عبر القوة الاقتصادية المباشرة، وعبر الخنق التدريجي للبلاد وللنظام وقطع كل مصادر الحياة الاقتصادية عنهما، ما يؤدي إما إلى رضوخ النظام أو سقوطه أو الإبقاء عليه ضعيفا داخل الصندوق.
أما العقوبات نفسها، فهي سوف تظل قائمة إلى أجل غير مسمى، سواء استمر النظام الحالي أو سقط وجاء نظام آخر على أنقاضه.
لنتذكر أن هذه العقوبات هي عقوبات فرضها الكونغرس الأميركي، ولم تأت بقرار رئاسي تنفيذي، ما يعني أن إلغاءها عملية شديدة التعقيد، وسوف يتطلب الأمر الكثير من الجهد والوقت لذلك. فحتى مع افتراض مجيء نظام جديد في دمشق لا يمكن إزالة هذه العقوبات بصورة أوتوماتيكية. سوف يتعين على أي نظام جديد أن يلبي الشروط التي دعت لفرضها أولا، ثم عليه أن يثبت بأنه قد نفذ تلك الشروط بالفعل كما أراد واضعو نص العقوبات، ثم سوف يتعين على الكونغرس والجهاز التنفيذي أن يدرسا ويستخلصا بأن هذه الشروط قد نفذت على أكمل وجه.
مع افتراض مجيء نظام جديد في دمشق لا يمكن إزالة هذه العقوبات بصورة أوتوماتيكية
لنتذكر أن السودان لا يزال موضوعا على قائمة الدول الراعية للإرهاب، حتى بعد مرور أكثر من عام على سقوط النظام السابق، وقد تعين عليه أن يدفع تعويضات وأن يجري تغييرا على سياسته الخارجية وأن يتعهد بأمور معينة، حتى يمكن بحث إزالته من تلك القائمة.
رمي الطفل بغسيله
بالنسبة لسوريا فإن ثمن إلغاء قانون قيصر سوف يكون أكبر من ذلك بكثير. ليس فقط قطع العلاقة مع إيران وميليشياتها، ولكن أيضا عقد سلام بين نظام الحكم الجديد وإسرائيل، والكف عن المطالبة بهضبة الجولان التي سوف تصبح أرضا إسرائيلية، وربما فرض رقابة على تسلحه. بدون ذلك لا أتصور أن المشرعين الأميركيين سوف ينظرون في أمر تخفيف أو إلغاء القانون.
والسؤال الذي ينبع هنا هو كيف يمكن للنظام الحالي أن يتعامل مع هذا الوضع الجديد؟
تشير معظم التكهنات إلى أن النظام السوري حتى إذا تمكن من النجاة من قانون قيصر، وهو أمر لن يكون سهلا، فسوف ينضم إلى قائمة الأنظمة المعزولة والمنغلقة مثل كوريا الشمالية وفنزويلا وغيرها، بمعنى أنه سيظل يحكم بلدا ضعيفا بنيويا وبشعب جائع واقتصاد متهالك، وربما أيضا ببلد مقسم. إلى متى سوف يطول هذا الأمر؟ لا أحد يعرف.
لقد كانت الاستراتيجية الأميركية في البداية تركز على تغيير النظام، ثم بسبب عدم وجود البديل المناسب، وعدم الرغبة في التورط عسكريا، تحولت إلى تغيير “سلوك” النظام، أما اليوم فيبدو أنها قررت أن ترمي الطفل السوري بغسيله. وقانون قيصر يعني حرفيا ذلك.