بقلم/ عمران سلمان – 20 أغسطس 2024/
يقول الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، الذي يخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة في 7 سبتمبر/أيلول وذلك للمرة الثانية بعد فوزه في عام 2019، إن “الجيش الجزائري مستعد للذهاب إلى غزة ونحن مستعدون، فقط ننتظر أن تفتح مصر حدودها لنا” (الاثنين 19 أغسطس 2024).
ولكي لا يفهم تصريحه هذا على نحو مختلف يسارع إلى التوضيح “والله لو فتحوا لنا الحدود لأرسلنا جيشا هناك. كنا سنرسل حافلات هناك ونبني ثلاثة مستشفيات في 20 يومًا. سنرسل الأطباء ونعيد بناء ما دمره الصهاينة. غزة ليست قضية الفلسطينيين، بل قضيتنا جميعا”.
وهذا التصريح الذي يندرج في إطار الاستخدام التقليدي والمبتذل للقضية الفلسطينية من قبل الأنظمة العربية، والنظام الجزائري من أبرزهم، يأتي بعد أيام من صدور تقرير مهم عن معهد السلام الأميركي (14 أغسطس 2024) يشير فيه إلى حقيقة تعتبر قاتلة بالنسبة للسياسة الجزائرية وهي أن نزاع الصحراء الغربية قد انتهى فعليا وأن المجتمع الدولي يقف بالكامل إلى جانب المغرب. كما يشير إلى أنه لم يعد أمام جبهة البوليساريو وراعيتها الجزائر من خيار سوى التفاوض من أجل البحث عن مخرج مشرف. وهو نصحهم باغتنام الفرصة للتفاوض على أفضل شروط السلام الممكنة مع المغرب.
بطبيعة الحال فإن الخلاصة التي توصل إليها المعهد الأميركي لم تأت من فراغ وإنما بنيت على حقيقة دعمتها تطورات بدأت تتسارع في السنوات الأخيرة، مع اعتراف المزيد من دول العالم بسيادة المغرب على إقليم الصحراء، وأهمها الاعتراف الأخير من جانب فرنسا التي اعتبرت أن خطة الحكم الذاتي للصحراء الغربية في إطار المغرب كأساس وحيد لحل النزاع.
وكانت الولايات المتحدة قد اعترفت رسميا بسيادة المغرب على الصحراء عام 2020، وهو الاعتراف الذي مهد الطريق امام اعتراف جارف من 38 دولة بالسيادة المغربية بينها إسبانيا (التي كانت تملك نفوذا واسعاً على الصحراء الغربية سابقاً) وفرنسا وألمانيا وهولندا والامارات السعودية وإسرائيل والبرازيل و13 دولة أفريقية ودول في أميركا الجنوبية.
كما فتحت أكثر من 28 دولة معظمها أفريقية وعربية قنصليات هناك، في ما اعتبرته الرباط دعماً ملموساً لسياساتها.
وخسارة الجزائر هذه القضية يشكل انهيارا لسياسة سارت عليها منذ عام 1975 واستثمرت فيها الكثير من الأموال والجهد والوقت والدبلوماسية. وليس معروفا بعد كيف يمكن للحكومة الجزائرية الحالية أن تشرح ذلك لشعبها وتبرره. وكيف يمكن لها أن تقدم قراءة موضوعية لما حدث وخطة مستقبلية للتعامل مع الواقع الناشىء وبصورة تحفظ الاستقرار في المنطقة وتخدم مصالح البلدين والشعبين الجارين.
للأسف فإن الطريقة الوحيدة التي تجيدها هذه الحكومة والحكومات العربية المشابهة هي الهروب إلى الأمام، وهو إشغال الرأي العام بقضية أخرى لها إمكانيات عاطفية هائلة على الشعوب وهي القضية الفلسطينية.
لهذا السبب زادت الجزائر من الجرعة الدبلوماسية والسياسية الأخيرة في الموضوع الفلسطيني حتى أصبحت طرفا تقريبا في هذا الصراع من دون، بالطبع، أن يكلفها ذلك أكثر من الشعارات والخطب الحماسية، لكنه كاف في حد ذاته لتخدير الجزائريين وإبعادهم عن قضاياهم الأساسية سواء تلك المتعلقة بالجانب السياسي أو الاقتصادي أو الفشل الدبلوماسي الخارجي، وأيضا من دون الحاجة إلى تبرير الفشل الجزائري الكبير في موضوع الصحراء الغربية.
ومن المتوقع أن يزداد هذا المنحى ولا ينقص، فمع الانتهاء التدريجي للقضية الصحراوية سوف تلجأ المؤسسة العسكرية في الجزائر، وهي المؤسسة الحقيقية الحاكمة، إلى زيادة جرعة الراديكالية المتعلقة بالقضية الفلسطينية بما في ذلك استغلال عضوية الجزائر في مجلس الأمن والاتحاد الأفريقي وغيرها من المؤسسات الإقليمية والدولية من أجل الدفع بالأجندة المتطرفة والتي انهكت الدبلوماسية الجزائرية وأصابتها بالعطب وقلة الفائدة.
كما من المتوقع أن تضغط على جبهة البوليساريو من أجل عدم قبول خطة الحكم الذاتي التي اقترحتها المغرب بهدف الأبقاء على جذوة الأزمة قائمة واستمرار الخطاب المخدر للشعب الجزائري.