بقلم / عمران سلمان – 14 يونيو 2024 /
في 22 مايو 2024 أعلنت كل من إسبانيا والنرويج وإيرلندا اعترافها بالدولة الفلسطينية، على أن يدخل هذا الاعتراف رسميا حيز التنفيذ في 28 مايو.
كما أعلنت سلوفينيا ومالطا خلال الأسابيع الأخيرة عن نيتهما الاعتراف بالدولة الفلسطينية، إلى جانب عدد من الدول الأوروبية التي سبقتهما إلى ذلك.
وفي حين لا يعرف كيف سوف تتحول موجة الاعتراف الجديدة إلى واقع عملي، حيث لا توجد على الأرض دولة فلسطينية ولا يمكن للسلطة الفلسطينية أن تعلن قيامها من دون التنسيق مع إسرائيل.
مع ذلك يمكن النظر إلى هذا التطور الجديد بوصفه علامة على أن عددا متزايدا من الدول لم يعد يرى فائدة في المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وأنه بدلا من ذلك يتعين فرض هذه المسألة ابتداء واستخدام المفاوضات فيما بعد لتثبيت هذا الواقع على الأرض.
من الناحية النظرية يصعب عدم تأييد إقامة دولة للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، فالأمر المنطقي هو أن يمنح الفلسطينيون الحق في تقرير مصيرهم وإدارة شؤونهم بأنفسهم.
لكن من الناحية العملية ليس من السهل تصور إمكانية إقامة مثل هذه الدولة في ظل تأييد الفلسطينيين العارم لحركة حماس وللقضاء على إسرائيل. أو كما لاحظ بصدق الكاتب والروائي الكبير والقدير سلمان رشدي في حديث لصحيفة بلد الألمانية من أنه “إذا تم إنشاء الدولة الفلسطينية اليوم، فإنها ستكون “دولة شبيهة بطالبان” تحكمها حماس”.
بعبارة أخرى فإن الدولة الفلسطينية أو حل الدولتين قد يبدو الأقل كلفة لإنهاء هذا الصراع المستمر منذ أكبر من مائة عام، وذلك في حال أمكن إيجاد الظروف المناسبة والمواتية لتطبيق هذا الحل وإدامته، والذي يتطلب أولا وقبل كل شيء القبول بالآخر، وإرساء الثقة المطلوبة وانهاء أي إمكانية للتشكيك في حق الآخر في الوجود أو العمل على الإضرار به.
وفضلا عن ذلك يحتاج هذا أيضا وقتا من أجل اختبار طبيعته ووضعه في التجربة من أجل الاقتناع فعلا بكونه حلا قابلا للحياة ويمكن البناء عليه.
لكن المشكلة التي تعترض طريق ذلك كله هي كيفية الوصول إلى هذا الوضع في ظل العداء والاستقطاب الحاد بين الجانبين.
وفي حين يوجد على الجانب الإسرائيلي من لا يرى أية فائدة أو إمكانية لإقامة دولة فلسطينية، ليس فقط انطلاقا من جوانب عملية وإنما أيضا لأسباب أيديولوجية واضحة، كذلك يوجد أيضا على الجانب الفلسطيني من يرى أن دولة بهذه المواصفات والتي هي نهائية وغير قابلة للتمدد أو تكون جسرا لتدمير إسرائيل لا تلبي مطالب الفلسطينيين.
وقد أظهر الاستطلاع الأخير الذي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية (12 يونيو 2024) أن حوالي ثلثي الجمهور الفلسطيني يؤيدون هجوم 7 أكتوبر الذي قامت به حركة حماس في جنوب إسرائيل،
كما قالت نسبة من سكان قطاع غزة فاقت النصف بقليل أنها تفضل عودة حماس لحكم القطاع مقابل حوالي الثلثين في الضفة الغربية.
والأمر الملفت في هذا الاستطلاع هو أن أكثر من ثلثي الفلسطينيين وخاصة في قطاع غزة يؤيدون العمل المسلح ضد إسرائيل، بينما أيد أكثر من 60٪ حل السلطة الفلسطينية. ولم تتجاوز نسبة المؤيدين لحل الدولتين ثلث عدد المستطلع رأيهم.
كما بلغت نسبة عدم الرضا عن أداء رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس 85٪، و تبلغ نسبة المطالبة باستقالته 94٪ في الضفة الغربية و83٪ في قطاع غزة.
بعبارة أخرى فإن التطرف يزداد على الجانب الفلسطيني، وردا عليه يزداد أيضا التطرف على الجانب الإسرائيلي.
شخصيا لست في وارد لوم هذا الطرف أو ذاك، لكن باعتقادي أن المشكلة الحقيقية التي تمنع قيام دولة فلسطينية اليوم هي نفسها التي منعت قيام مثل هذه الدولة في السابق والتي سوف تمنع إمكانية قيامها في المستقبل أيضا، وهي أن الفلسطينيين لم يتخلوا قط في يوم من الأيام عن أن بإمكانهم استعادة جميع الأراضي التي تقوم عليها دولة إسرائيل اليوم، وأن فكرة إقامة دولة فلسطينية في الضفة وقطاع غزة فقط، ولا تكون جسرا لتدمير إسرائيل، تمثل كابوسا يفضل معظم الفلسطينيين الاستيقاظ منه.
هناك الكثير من الفلسطينيين (وأيضا معظم المسلمين) لا يقبلون في أي حال من الأحوال وجود دولة لليهود أو أن تخضع أية أرض سيطر عليها المسلمون سابقا، لحكم أتباع الديانات الأخرى وخاصة اليهود. إنهم ربما يقبلون ذلك بحكم الأمر الواقع لكن من المستبعد أن يقرونه أو يستسيغونه.
انطلاقا من هذه الرؤية فإن إقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل لا يمكن أن يعتبر حلا مقبولا بالنسبة لهؤلاء.