مضمون التظاهرات الطلابية في أميركا

بقلم/ عمران سلمان – 1 مايو 2024/

مشكلة الطلاب الذين يتظاهرون في الجامعات الأميركية ضد ما يجري في غزة، هي ليس في أنهم يناهضون إسرائيل أو أنهم يتعاطفون مع المدنيين الفلسطينيين الضحايا الفعليين لهذه الحرب بين إسرائيل وحماس، ولكن مشكلتهم الحقيقية هي في أنهم يسقطون من السياق تماما حركة حماس وما فعله مسلحوها في السابع من أكتوبر، كما لو أن هذه الحرب ليست ردة فعل إسرائيلية على ذلك الهجوم.

والمشكلة الأكبر بالطبع تظل هي في أنهم يرددون مثل الببغاوات شعارات حماس والجماعات الإسلامية وتلك المناهضة للسامية، بل ويتفاخر بعضهم بارتداءه ملابس أو رموز ذات صلة بالميليشيات الإسلامية والجهادية.

وأفهم أن هؤلاء الطلاب وفي هذه المرحلة العمرية بالتحديد، يغلب عليهم النشاط والحماس الزائد وربما المثالية السياسية وأفكار التغيير الراديكالية، بحيث يتصورون أن بإمكانهم تغيير العالم.

وأعلم أنه بعد مضي بعض الوقت سوف يراجع هؤلاء أنفسهم وسوف يضحكون على سذاجتهم وربما أدركوا أنهم لم يكونوا أكثر من بيادق في صراع لا ناقة لهم فيه أو جمل.

كل ذلك ليس أمرا جديدا فهو يحدث مع كل جيل تقريبا بصورة أو بأخرى. ولعل  الأكثر ضجيجا ودراماتيكية كان وقت الكتلة الاشتراكية والاتحاد السوفييتي السابق حين كان العالم مقسوما بين معسكرين، وكان اليسار ، وخاصة في العالم الغربي متعاطفا مع الأنظمة الاشتراكية أو الشيوعية ولا سيما تلك القائمة في العالم الثالث. ولا سيما الأنظمة التي كانت مناهضة، أو في حالة اشتباك سياسي أو عسكري، مع الولايات المتحدة، حيث كان يجري تصوير أميركا والغرب عموما على أنه الشيطان الرأسمالي الأمبريالي المتوحش والمستغل للشعوب والسارق لثرواتها … الخ، بينما يجري تصوير الأنظمة الاشتراكية الفاسدة والفاشلة والقمعية والمستبدة على أنها حمامة سلام وأنها ضحية لا ذنب لها.  

اليوم اختلفت الصورة، حيث تتبنى الاتجاهات اليسارية والفوضوية وتلك المدعومة من الجماعات المتطرفة في الولايات المتحدة (وربما غيرها من الدول الغربية أيضا) والتي تضم خليطا من الإسلاميين والأقليات ولا سيما السود، خطاب الإسلامي السياسي والجهادي وتروج له، فقط لأنه معاد للولايات المتحدة ولقيم الحضارة الحديثة وللنظام الرأسمالي، غير مدركة أو معنية بأهداف الإسلاميين وبالقيم السلبية والظلامية التي يروجون لها.

ما لا ينتبه له هؤلاء هو أنهم يخدمون في واقع الأمر أهداف هذه الجماعات وما يحدث في العديد من الجامعات الأميركية من تظاهرات تحول من قضية حرية تعبير إلى شكل من أشكال الاحتجاج المنظم والذي تقف خلفه جهات لا علاقة لها بالضرورة بالجامعة نفسها.

بعبارة أخرى فإن ما يحدث ربما يتجاوز مسألة غزة نفسها، ليتحول إلى مشكلة أمنية وسياسية داخل الولايات المتحدة.

وما لم تتحرك إدارة بايدن وكذلك إدارات الجامعات والسلطات المحلية للقضاء على هذه الظاهرة، فربما تتطور إلى مشكلة أعقد بكثير مما هي عليه الآن. ولعل ما حدث في جامعة جنوب كاليفورنيا من مصادمات بين متظاهرين مناهضين لإسرائيل وآخرين معها، قد يكون عينة مصغرة لما قد يجري في جامعات وأماكن أخرى.

كما أن تحرك العديد من أعضاء الكونغرس وخاصة الجمهوريين ودعواتهم لقطع التمويل عن الجامعات التي لا تضع حدا لمعاداة السامية وتنهي التظاهرات، من شأنه أن يخلف عواقب وخيمة على التعليم العالي برمته في الولايات المتحدة.

وهكذا، تدريجيا تتكشف الأجندة والأهداف الحقيقية من وراء هذه التظاهرات التي ربما بدت في أول الأمر أنها مجرد حرية تعبير دافعها إنساني وتعاطفي، لكنها اليوم أصبحت أداة للتخريب والتدمير، بينما الطلاب أنفسهم مجرد وقود في معركة لا ناقة لهم فيها أو جمل.

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *