مدينة غزة – بقلم إيمانويل فابيان – تايمز أوف إسرائيل – 10 فبراير 2024/
كشف الجيش الإسرائيلي أن حركة حماس قامت بإخفاء أحد أهم أصولها تحت المقر الرئيسي لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين المثيرة للجدل في قطاع غزة المعروفة باسم الأونروا.
تم بناء مركز البيانات – الذي يشمل غرفة كهرباء، وبطاريات صناعية وغرف معيشة لعناصر حماس الذين يشغلون خوادم الحاسوب – على وجه التحديد تحت الموقع الذي لن تفكر إسرائيل في النظر إليه في البداية، ناهيك عن استهدافه في غارة جوية.
ويأتي الكشف عن مزرعة الخوادم وسط اتهامات أخرى للأونروا بالتواطؤ مع الحركة الحاكمة لغزة وتورط هيئة الأمم المتحدة التي توفر الرعاية والخدمات الإنسانية للاجئين الفلسطينيين من حربي 1948 و1967 وأحفادهم.
واتهمت إسرائيل الشهر الماضي 12 موظفا في الوكالة بالمشاركة في المذبحة التي ارتكبتها حركة حماس في 7 أكتوبر، حيث قتل 1200 شخص واحتجز 253 رهينة في الهجوم الدموي.
ومنذ صدور هذه المزاعم في أواخر الشهر الماضي، أعلنت العديد من الدول المانحة الرئيسية للأونروا عن تجميد تمويلها، مما أقار مخاوف من إضطرار الوكالة التوقف عن العمل في غزة وأماكن أخرى في الشرق الأوسط في غضون أسابيع.
لكن يبدو أن اكتشاف الجيش الإسرائيلي الأخير لمركز بيانات حماس في الوقت الذي تخضع فيه الأونروا للتدقيق مجرد مصادفة.
العقيد بيني أهارون يدخل إلى مقر الأونروا في مدينة غزة، 8 يناير، 2024. (Emanuel Fabian/Times of Israel)
ويقع المقر الرئيسي للأونروا في غزة في حي الرمال الراقي بمدينة غزة، وهي المنطقة التي كان الجيش الإسرائيلي قد عمل فيها سابقًا وقام بتفكيك كتيبة حماس المحلية هناك وسحب قواته منها.
وفي وقت الهجوم البري الأولي في مدينة غزة، لم يكن الجيش يعرف الكثير عن مركز بيانات حماس. لكن المعلومات الاستخبارية الجديدة، المبنية في المقام الأول على استجواب المسلحين المعتقلين، ساعدت في تحديد مكان البحث.
وقال قائد اللواء المدرع 401 العقيد بيني أهارون أثناء قيامه بجولة إعلامية في النفق ومجمع الأمم المتحدة يوم الخميس “كان الجيش هنا في السابق، المرة الأولى كانت من اجل تدمير العدو، ولكن عندما كنا هنا في المرة الأخيرة قمنا بجمع الكثير من الوثائق الاستخباراتية والنتائج، والكثير من السجناء، وبفضل هذا وصلنا إلى هنا. لقد نفذنا الآن عملية محددة الهدف لإزالة هذه القدرة”.
وتابع “كان لدينا أساس من المعلومات، ولكن ليس بما يكفي لنتمكن من الحفر لعمق 20 مترا والعثور عليه، كنا بحاجة إلى المزيد قليلا. هناك معلومات نحصل عليها من السجناء الذين نعتقلهم، ومن أجهزة الكمبيوتر التي نجدها، ومن الوثائق والخرائط”.
وعاد الجيش الإسرائيلي في الأسابيع الأخيرة لتنفيذ عمليات أصغر في شمال قطاع غزة، بعد تدمير القدرات القتالية لحماس إلى حد كبير خلال المراحل الأولى من الهجوم البري.
جندي من وحدة “ياهالوم” يقف خارج نفق يؤدي إلى مركز بيانات تابع لحماس، اكتشفه الجيش الإسرائيلي في مدينة غزة، 8 يناير، 2024. (Emanuel Fabian/Times of Israel)
وقال العقيد نسيم حزان، وهو ضابط كبير في اللواء 401، إن الجيش الإسرائيلي يمكنه الآن تنفيذ مداهمات بأعداد أقل بكثير من القوات، لعمليات “تتطلب المزيد من البحث والمزيد من الوقت، والمزيد من الصبر”.
ولكن لا تزال هذه المداهمات خطيرة، حيث أشار أهارون إلى أن جنديين تحت قيادته قُتلا خلال العملية للوصول إلى مركز بيانات حماس – الرائد (احتياط) يتسهار هوفمان، قائد وحدة النخبة “شلداغ” في سلاح الجو الإسرائيلي؛ والرائد دافيد شاكوري، نائب قائد الكتيبة 601 التابعة لفيلق الهندسة القتالية، وكلاهما تعرضا لنيران القناصة.
وقال حزان، المكلف بتنسيق عمليات اللواء تحت الأرض، إن المدخل الرئيسي للنفق يقع تحت مدرسة تابعة للأونروا في المنطقة. لكن كان عناصر حماس حماس قد أغلقوه قبل وصول القوات. وقام المهندسون القتاليون بدلا من ذلك بالحفر على عمق ثمانية أمتار للعثور على أقرب جزء من النفق.
متاهة موحلة ورطبة لوصول مركز البيانات
دخل الصحفيون، برفقة قوات من وحدة الهندسة القتالية “ياهالوم” ووحدة “شلداغ” وحزان، إلى جزء النفق الذي تم اكتشافه. ونُصحنا بخلع السترات الواقية من الرصاص قبل الشروع في الرحلة إلى مركز البيانات بسبب الرطوبة وتعطيل أنظمة حماس لتنقية الهواء.
جندي يقف في نفق تابع لحركة حماس يقع تحت مدرسة تابعة للأونروا في مدينة غزة، 8 يناير، 2024. (Emanuel Fabian/Times of Israel)
وكان الجزء الأول من الممر، الذي يبلغ بضع عشرات من الأمتار ويشمل الأقواس الخرسانية والأرضية الرملية المميزة لأنفاق حماس، عاديا نسبيا، على غرار مئات الكيلومترات من الأنفاق التي بنتها الحركة عبر قطاع غزة.
وكان للممر عدة مسارات متفرعة أخرى، ولكن وضع الجنود عصي مضيئة على الأرضيات لإبقاء المراسلين على المسار الصحيح.
وأدى الطريق الذي سلكناه إلى حفرة صغيرة، رأينا بعد التسلق عبرها صالة كبيرة مبلطة وفيها مكيفات هواء وإضاءة.
وكانت جدران الصالة مليئة بملصقات تحمل شعار الجناح العسكري لحركة حماس، كتائب القسام، وبعضها يحمل تعليمات أمنية تشغيلية للمسلحين الذين يديرون مركز البيانات.
وفي هذا الجزء من النفق، بحسب حزان، كان موظفو تكنولوجيا المعلومات والمخابرات التابعون لحماس يشرفون على مركز البيانات وإدارته.
كراسي مكتب مخزنة في غرفة داخل نفق تابع لحركة حماس يقع تحت مدرسة تابعة للأونروا في مدينة غزة، 8 يناير، 2024. (Emanuel Fabian/Times of Israel)
وكانت هناك عدة غرف على جوانب الصالة، بما في ذلك مطبخ صغير، وغرفة اجتماعات مع كراسي مكتب، وحمامين وأماكن معيشة بها عدة مراتب.
كما عثرت القوات في الصالة على عدة دراجات نارية صغيرة، يعتقد أن حماس كانت تستخدمها للتنقل عبر مرافق النفق بسهولة.
“توجد فوقنا مدرسة للأطفال تابعة للأونروا”، قال حزان بينما كنا نستكشف الغرف في الصالة الرئيسية. “هذه سنوات من العمل، مع الكثير من العزم والموارد”.
ويؤدي ممر بطول 300 متر من الصالة الرئيسية إلى مركز البيانات وغرفة الكهرباء القريبة.
وقال حزان “نحن الآن نعبر الشارع الرئيسي في الرمال، أسفل عدة أبراج شاهقة”.
نفق مغمور بالمياه يؤدي إلى مركز بيانات تابع لحركة حماس، اكتشفه الجيش الإسرائيلي في مدينة غزة، 8 يناير، 2024. (Emanuel Fabian/Times of Israel)
ونتيجة لعمليات المهندسين القتاليين، لم يكن لأجزاء من النفق السقف الخرساني المعتاد وكانت الرمال الهشة ظاهرة.
“أبقوا رؤوسكم منخفضة ولا تلمسوا السقف”، قال لنا أحد ضباط “شالداغ” بينما كنا نزحف عبر الجزء، للتأكد من عدم التسبب في انهيار النفق على رؤوسنا.
وقد تسربت مياه الأمطار إلى داخلا لنفق نتيجة لحفر المهندسين القتاليين للوصول إليه، مما أدى إلى ظهور برك عميقة في بعض المناطق، والتي مررنا عبرها للوصول إلى مركز البيانات.
وبعد الأجزاء التي غمرتها المياه من النفق، أدى منحدر زلق إلى أول منشأة رئيسية في النفق، وهي غرفة الكهرباء.
غرفة كهرباء تخدم مركز بيانات تابع لحركة حماس يقع تحت مقر الأونروا، اكتشفه الجيش الإسرائيلي في مدينة غزة، 8 يناير، 2024. (Emanuel Fabian/Times of Israel)
وكانت الغرفة، التي تحتوي على العديد من المعدات الكهربائية ومحولات الطاقة وعشرات البطاريات الصناعية، مغطاة الآن بطبقة سميكة من الطين.
وقد انهار جزء من السقف، حيث قام المهندسون القتاليون بالحفر على عمق 20 مترًا من فناء مجمع الأونروا، المجاور لأحد المباني الرئيسية.
ونفق أخر بطول بضع عشرات من الأمتار يؤدي من غرفة الكهرباء إلى قلب المنشأة، مركز البيانات التابع لحماس.
وكان هناك حوالي ستة صفوف من رفوف الخوادم، كل منها يحتوي على رفوف من أجهزة الكمبيوتر لعمليات حماس.
مركز بيانات تابع لحركة حماس يقع تحت المقر الرئيسي للأونروا في مدينة غزة، 8 يناير، 2024. (Emanuel Fabian/Times of Israel)
وقال حزان: “نحن الآن في قلب السر… تحت المبنى الرئيسي للأونروا. هذا هو المكان الذي احتفظت فيه حماس بخوادمها الاستخبارية. للوصول إلى مكان كهذا، عليك أن تطأه، وأن تكون لديك القدرة على تدميره بالكامل، حتى لا تتمكن حماس من استخدام هذا التفوق الاستخباراتي مرة أخرى، فأنت بحاجة إلى قوات على الأرض”.
ويعتقد مسؤولون في الجيش الإسرائيلي أن حماس استخدمت مزرعة الخوادم لجمع المعلومات الاستخبارية ومعالجة البيانات والاتصالات. وتم نقل الأقراص الصلبة وبعض أجهزة الحاسوب إلى إسرائيل لفحصها من قبل سلطات المخابرات قبل تدمير نظام الأنفاق في انفجار كبير.
وقال حزان إن الجيش الإسرائيلي يعرف أن هناك العديد من أنفاق حماس “الإستراتيجية” الأخرى في غزة، والتي سيصل إليها في الوقت المناسب.
“لدينا وقت، أمامنا أشهر في الحرب، وسنفككها واحدة تلو الأخرى ونأخذ ما يحاول العدو إخفاءه، وهو يخفيه بطريقة متطورة وساخرة للغاية”.
العقيد نسيم حزان يتحدث إلى الصحفيين من مركز بيانات تابع لحركة حماس يقع أسفل مقر الأونروا، والذي اكتشفه الجيش الإسرائيلي في مدينة غزة، 8 يناير، 2024. (Emanuel Fabian/Times of Israel)
المقر الرئيسي للأونروا في غزة
بعد أن عدنا ادراجنا لمغادرة النفق، استقلنا ناقلة جنود مدرعة لتأخذنا إلى المقر الرئيسي للأونروا، لأن السير فوق الأرض معرضاً لنيران قناصة حماس.
وبدا المقر سليما إلى حد كبير، على عكس العديد من المباني المحيطة التي دمرتها الضربات الإسرائيلية.
وبعد مرورنا عبر البوابة الرئيسية المكتوب عليها “مقر الأونروا في غزة” وأمام مبنى مجاور عليه نص مماثل باللغتين الإنجليزية والعربية ويحمل شعار الأمم المتحدة، وصلنا إلى الفناء الذي فحر فيه المهندسون القتاليون للوصول إلى غرفة الكهرباء.
جنود من وحدة الهندسة القتالية “ياهالوم” يرسلون كاميرا عبر فتحة نفق قاموا بحفره في باحة مقر الأونروا في غزة، للوصول إلى غرفة كهرباء تابعة لحماس تحت الأرض، 8 يناير، 2024. (Emanuel Fabian/Times of Israel)
وفي مقر الأونروا، قال أهارون إن قواته عثرت على عدة مخابئ أسلحة تابعة لحماس عندما داهمت واشتبكت مع مسلحي حماس للسيطرة على المجمع، على الرغم من أن ذلك كان بعد إخلاء موظفي الأمم المتحدة.
وقال: “القنابل اليدوية والصواريخ وقاذفات القنابل والمتفجرات وكمية كبيرة من الأسلحة”.
“ليس هناك شك في أن موظفي الأونروا كانوا على علم بأن [حماس] كانت تحفر نفقا ضخما تحتهم. يوجد جدار، وبوابة، وكاميرات، عند البوابة يتم تسجيل من يدخل ومن يخرج. كل من عمل في الأونروا كان يعرف جيدا من يأتي وعلى من يغطي”.
وتابع أهارون: “الأونروا توفر الغطاء لحماس، والأونروا تعرف بالضبط ما يحدث تحت الأرض، والأونروا تستخدم ميزانيتها لتمويل بعض القدرات العسكرية لحماس، وهذا أمر مؤكد”.
وفي المبنى الرئيسي بمجمع الأمم المتحدة، قاد أهارون المراسلين إلى غرفة خوادم الأونروا، التي قال إنها تقع مباشرة فوق مركز بيانات حماس تحت الأرض، حيث كان المراسلون متواجدين قبل وقت قصير.
العقيد بيني أهارون يظهر للصحفيين غرفة الخوادم التابعة للأونروا في مقرها في مدينة غزة، 8 يناير، 2024. (Emanuel Fabian/Times of Israel)
وقال: “بعض الكابلات متصلة إلى الأسفل”، مشيرا إلى خط من الكابلات يمتد إلى الأرض، بينما كنا نقف فوق مركز بيانات حماس.
وبدت غرفة الخوادم التابعة للأونروا، على عكس غرفة حماس، فارغة في معظمها. وتم وضع خزانة خادم واحدة خارج الغرفة، ولكن تم تجريدها من جميع أجهزة الكمبيوتر.
وقال أهارون: “لقد قاموا بتطهير جميع أجهزة الكمبيوتر، وجميع مسجلات الفيديو الرقمية لكاميرات المراقبة، وقطعوا [معظم] الكابلات، وهذا سلوك شخص لديه ما يخفيه”.
“الشخص الذي يعمل في الأونروا، والذي من المفترض أن يهتم بحقوق الإنسان، ويهتم بسلامة السكان في غزة، لا ينبغي له أن يتعجل في فصل جميع مسجلات الفيديو الرقمية، والكاميرات، وقطع جميع الأسلاك، وأخذ جميع أجهزة الكمبيوتر. هذا تصرف شخص كان يعلم أن الجيش قادم وأراد إخفاء الأدلة”.
كابلات تمتد من غرفة خوادم تابعة للأونروا إلى مركز بيانات تابع لحركة حماس تحت الأرض في مدينة غزة، 8 يناير، 2024. (Emanuel Fabian/Times of Israel)
وقال حزان إن حماس “لم تختر هذه المنطقة بشكل عشوائي. وهي تعلم أنه في وقت السلم وفي الحروب السابقة لم يكن لدى [إسرائيل] الشرعية لضرب مبنى للأونروا وهدمه على النفق”.
وبالإضافة إلى مزاعم تواطؤها مع حماس، تتهم إسرائيل الأونروا أيضًا بإدامة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني من خلال منح وضع اللاجئ لملايين من أحفاد الفلسطينيين الذين فروا أو أجبروا على ترك منازلهم في وقت إنشاء الدولة اليهودية في عام 1948، بدلا من اقتصار ذلك على اللاجئين الأصليين، كما هي العادة مع معظم مجموعات اللاجئين في أنحاء العالم.
وقال أهارون “لقد صدمنا في أعماق نفوسنا، من أن المنظمة التي من المفترض أن تهتم بحقوق الإنسان، تتعاون بهذه الطريقة الواضحة والوحشية، دون أي مخاوف، مع جماعة إرهابية مثل حماس”.
ولم ترد الأونروا على الفور على طلبات التعليق.