بقلم/ عمران سلمان – 31 يناير 2024/
من حق أي شخص أن يمتنع عن شراء أية بضاعة ولأي سبب كان. ذلك أمر لا يمكن المجادلة فيه أو إصدار حكم عليه. وهذا ينطبق أيضا على المقاطعة التي يقوم بها البعض في عدد من الدول العربية والإسلامية هذه الأيام ضد بضائع أميركية أو أوروبية بعينها بسبب وقوف هذه الدول مع إسرائيل في حربها ضد حركة حماس.
المشكلة ليست هنا ولكن في الأكاذيب وتزييف الوعي وتجييش الجهل الذي يتزامن مع عملية المقاطعة، والذي هو بالمناسبة استمرار للحملة التي تقوم بها الجزيرة ووسائل الإعلام الممولة من قطر.
على سبيل المثال لا يقول دعاة المقاطعة أو نشطائها للناس قاطعوا جميع البضائع الأميركية إذا كنتم جادين وصادقين. وهذه تشمل مثلا وليس حصرا، الآيفون والماكنتوش والمايكروسوفت ومواقع التواصل الاجتماعي نفسها ومئات البضائع الإلكترونية والسيارات وطائرت البوينغ وأنظمة الحاسوب والمارلبورو.. وقاطعوا الدولار إن كنتم صادقين.. الخ.
هم يقولون لهم فقط قاطعوا “ستارباكس” و”ماكدونالز” وربما “بيتزا هات” و”كوكاكولا” و”بيبسي”.. ويصفقون لهم إن هم فعلوا ذلك كما لو أنهم حققوا انجازا عظيما وسوف يجعلون الولايات المتحدة تركع على قدميها!
بل أنهم يزيفون الأخبار والتقارير الأخبارية التي تتحدث عن أثر هذه المقاطعة على تلك الشركات الأم.
إنهم يختصرون أميركا والبضائع الأميركية في الوجبات السريعة والمشروبات الغازية. ولكنهم يتعامون عن أن هذه البضائع أو الماركات لا تشكل سوى جزء صغير جدا وربما لا يكاد يذكر من السوق الأميركي.
الأمر الذي ربما لا يعرفه كثيرون ممن يعيشون خارج أميركا هو أن مطاعم الوجبات السريعة هذه ليست مفضلة أصلا لدى الأميركيين وخاصة الطبقة الوسطى وما فوقها. هؤلاء في العادة لا يشترون هذه الوجبات لأنهم يعتبرونها ضارة بالصحة.
الأمر الثاني هو أن الكثير من هذه المطاعم خارج أميركا هي عبارة عن “فرانشايز” أي أنها مملوكة وتدار بأيد محلية ولا علاقة لها بأميركا، إلا بالأسم. وبالتالي فإن أي مقاطعة لها هو في الحقيقة
يضر المجتمعات المحلية سواء المالكين أو الأيدي العاملة في هذه المحلات.
هناك أيضا أمر آخر يردده مؤيدو المقاطعة والمروجون لها وهو أن الامتناع عن شراء البضائع الأميركية أو الأجنبية عموما يصب في صالح المنتج الوطني.
وشخصيا أتعاطف مع المنتجات الوطنية في أي بلد عربي وأشجع أي إجراء يصب في صالح تشجيع المواطنين على اقتنائها، وعدم ربط ذلك بالمقاطعات وما شابه. لأنه من الناحية الاقتصادية فإن هذه ليست الطريقة المثلى لتشجيع المنتج المحلي.
هناك إجراءت كثيرة يمكن اتخاذها في هذا الصدد. أولا لا بد من جعل هذا المنتج قادرا على المنافسة في السوق. وهذا يعني تشديد معايير الجودة والالتزام بالمواصفات الوطنية والعالمية، وإبعاد النصابين والمستغلين عن هذا المجال. وثانيا أن تقوم الدولة في مرحلة أولى بدعم المنتج المحلي والتشجيع عليه، قبل أن تتركه كي يتنافس في السوق مع غيره من البضائع بصورة حرة.
مشكلة المنتج الوطني في معظم الدول العربية هي أنه مصمم للسوق المحلية فحسب. وهذا يعني التسامح في انخفاض مستويات الجودة والمواصفات الفنية الأخرى.
ولولا اتفاقات التجارة الحرة والتخفيضات الضريبة التي تمنحها الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية للصناعات المحلية في بعض الدول العربية لعانت من مصاعب جمة.
وهنا تبرز مشكلة أخرى وهي لو أن أميركا أو أوروبا التزمت بالمثل فعليها أن تمنع وصول البضائع من الدول العربية. وهذا يعني حرمان هذه الدول من العملة الصعبة.
ما أريد قوله هنا باختصار هو أنه في حين أن المقاطعة الاقتصادية هي حق أصيل لأي شخص ولأي سبب كان، فإن ممارسة هذا الحق في عالم اليوم تظل في الغالب مسألة نظرية.
لأنه تصعب بالفعل مقاطعة أية بضاعة عصرية والتأكد في الوقت نفسه من أن هذا الضرر سوف يلحق بجهة معينة دون غيرها. فهناك المصنعون وهناك المستثمرون وهناك الموزعون وهناك المواد الأولية وجميع هؤلاء متداخلون وأحيانا ينتمون إلى مناطق جغرافية متنوعة..الخ.
الأمر الآخر هو أن بعض الصناعات ولا سيما المرتبطة بالتكنولوجيا المتقدمة والبرمجيات والصناعات الأساسية يستحيل مقاطعتها ليس فقط لأنها مهمة وضرورية لكل دولة ولكن لأن أية دولة من دونها سوف تعود ببساطة إلى العصر الحجري.
وتظل مسألة أخيرة يتعين أن نطرحها هنا وهي تشرح المفارقة المتعلقة بالمقاطعة الاقتصادية. ففي العادة تعتبر المقاطعة عقوبة تفرضها الدول الغربية بوصفها الدول المصنعة والمتحكمة في حركة الأموال والتجارة ضد أي نظام أو دولة قمعية أو مناهضة للإنسان وحقوقه. ترى ما هي الحكمة في أن تتبرع دولة ما في ان تفرض على نفسها المقاطعة؟