بقلم/ عمران سلمان – 24 يناير 2024/
قبل الدخول في صلب هذا المقال وهو عن مناعة المنطقة العربية ضد السلم والسلام، أسارع إلى توضيح أراه مستحق. أعيش في أميركا منذ أكثر من 20 عاما، وهذا من حسن حظي طبعا، كما من حسن الحظ أنني أحمل الجنسية الأميركية إلى جانب البحرينية، وأحب القيم والمبادىء الأميركية وتقريبا كل ما هو أميركي، ولا أحتاج إلى أن أتملق أحد. فأنا أدفع الضرائب وأصوت في الانتخابات وأقوم بواجباتي مثل باقي المواطنين.
وبالطبع لا علاقة لي بالترهات التي يرددها بعض من يعيش في المنطقة حول تملق الرجل الأبيض وقصص الحمام والغراب الأسود وهي ترهات قديمة وسمجة (بالمناسبة قصة الغراب هذه قصة غبية عدا أنها عنصرية فلا تستحق مني أي تعليق). وربما علي أن أضيف أنني أعمل في مهن مختلفة، حيث يأتي مصدر دخلي، وهذا لا علاقة له من قريب أو بعيد بمواقفي السياسية أو بما أكتب، بما في ذلك المقالات التي تنشر هنا. أما فيما يتعلق بآرائي فأنا أكتب منذ التسعينات ومواقفي من الإسلام السياسي والجماعات المتطرفة مثلا معروفة ولا أخفيها. وأنا مع الحضارة الحديثة وقيم العصر على طول الخط. ومدافع شرس عن حقوق المرأة والأقليات والضعفاء عموما. لا علاقة لي بأية أنظمة سياسية من قريب أو بعيد. كل ما أكتبه يعبر عن قناعاتي، التي ربما تكون مصيبة أو خاطئة، متفقة مع هذا الطرف أو ذاك، لكنها اجتهاد شخصي بعيدا عن أية طموحات أو “مقاعد وثيرة” ولاهم يحزنون.
بالنسبة للفلسطينيين أنا من مؤيدي حل الدولتين وإقامة دولة لهم إلى جانب إسرائيل، ولكن لم أستطع أن أفهم عقيدة العنف والقتال اللانهائي التي تستحوذ عليهم (ربما بسبب وقوعهم تحت تأثير الثقافة الدينية وهي ثقافة تشجع العنف والغزو) وكنت أتصور أنهم محظوظون بوجود اليهود إلى جوارهم كي يتعلموا منهم ويتعاونوا معهم في حل مشاكلهم ويعيشوا جنبا إلى جنب في أمن وسلام. للأسف تصوري كان خاطئا! فالأدلجة الدينية والتأثير الخارجي دمرا كل إمكانية للتعايش.
ربما تكون هذه المقدمة طويلة نسبيا ولكنها ضرورية لتوضيح بعض ما استشكل أو التبس على البعض. وكل ما آمله أن يكون النقاش دائما في الأفكار والآراء من دون النزول إلى أساليب التسقيط البائسة.
بالعودة إلى موضوع المقال الأصلي الدال عليه في العنوان، والذي أردت أن أثيره هنا، هو ما الذي يجعل العنف والقتال سمة بارزة في المنطقة العربية؟ فما أن تهدأ حرب حتى تشتعل أخرى، وما أن يخمد نزاع حتى يتفجر آخر؟ ولو سألت أي شخص على ظهر هذا الكوكب عن الشرق الأوسط فإن أول ما سيحدثك عنه هو القتل والقتال الذي لاينتهي!
بالطبع ثمة مناطق أخرى في العالم أيضا شهدت وتشهد أعمال عنف وقتال من حين لآخر، وبالتالي لسنا وحدنا تماما في هذا الأمر، لكن ما يميز منطقتنا هو أن نزاعاتها تستمر وإن بأشكال أخرى وأن الدمار يتواصل والأمور تسير فيها من سيء إلى أسوء.
لا أدعي بأن لدي الإجابة الحصرية على السؤال المذكور، لكن باعتقادي أن ثمة عطب كبير في ثقافتنا يجعلنا أكثر ميلا لحل نزاعاتنا المجتمعية عبر السلاح والقتال. بل ويجعلنا أيضا نتقبل سقوط الأعداد الكبيرة من الضحايا وكأنه أمر اعتيادي، بل ومن دون أن نفعل شيئا تقريبا (أي شيء) لمنع حدوث ذلك.
إن الأفضل من البكاء على الضحايا هو أن نتجنب وقوع الحروب والقتال وعدم الانخراط فيها أو التشجيع عليها أو تبريرها.
وهذا العطب له أيضا علاقة بالثقافة الدينية التي تحتفي بالغزوات والجهاد والقتال و”الاستشهاد” وتزين هذا الأمر وتقدمه بصورة محببة للأطفال في المناهج التعليمية وفي المساجد وفي وسائل الإعلام.
ولو دققنا في شخصيات العديد من الذين تجري الاشادة والاحتفاء بهم عبر التاريخ العربي والإسلامي، سوف نجد أن بينهم السيكوباتيين والمجرمين والقتلة، الذين يظلون بالطبع جزءا من التاريخ الذي لا نملك تغييره ولكن لا توجد حاجة أو ضرورة للإشادة بهم أو تقديمهم بوصفهم نماذج ينبغي الاحتذاء بها!
إن تقديمهم للأطفال بوصفهم قدوة هو أخطر جريمة يمكن للإنسان أن يرتكبها بحق جيل أو أجيال بأكملها.
عطب آخر يتعلق بالموقف من الآخر، وسواء كان الآخر مختلفا عنا في الدين أو الطائفة أو القبيلة أو الجهة .. الخ، حيث فشلت مجتمعاتنا في إيجاد صيغ عصرية للتعايش بين مختلف مكوناتها الدينية والقومية والقبلية والعرقية.
إن عددا لا بأس به من النزاعات في المنطقة يعود بالذات إلى هذا الفشل.
فالقتال والتناحر قد يبدو ظاهريا أنه بين سلطات أو حكومات وبين جماعات مسلحة متمردة عليها. لكن في حقيقته وجوهره هو بين مكونات مجتمعية متنافرة في المصالح وتعيش في مناطق مختلفة ولديها سردياتها التاريخية والثقافية الخاصة بها. حيث يشعر كل مكون أنه الأحق والأجدر بأن يحكم ويستأثر بالسلطة والقوة والمال أو على الأقل يحصل على حصة مساوية منها. وما لم يتم التوصل إلى صيغة توافقية وتعايشية حقيقية فإن هذه النزاعات سوف تستمر من جيل لآخر.
ويصح القول إن العديد من دول وشعوب العالم مرت بمثل هذه الظروف، وهناك تجارب كثيرة يمكن التعلم منها، وعاجلا أو آجلا سوف تجد المجتمعات العربية طريقها الخاص بها أيضا لحل هذه المشكلات. لكن إلى أن نصل إلى ذلك سوف تدفع مجتمعات المنطقة الكثير من الدماء والأموال والجهد والوقت وهو أمر غير ضروري البتة.