بقلم/ عمران سلمان – 18 يناير 2024/
رغم بدء الانتخابات التمهيدية للحزبين الديمقراطي والجمهوري في الولايات المتحدة والتي انطلقت هذا الشهر، وهي تدشن عمليا ورسميا عملية الانتخابات للرئاسة الأميركية المقررة في شهر نوفمبر هذا العام، إلا أن إدارة بايدن تبدو منشغلة بأمر آخر وهو رسم معالم المرحلة التي ستلي الحرب في قطاع غزة.
الرأي الرسمي الأميركي كان و لا يزال يركز على حل الدولتين، ويسعى لإقناع الإسرائيليين بأن إقامة دولة فلسطينية هو أمر لا مفر منه من أجل ضمان الأمن لإسرائيل والاستقرار في المنطقة.
يقول مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان خلال حديثه في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس (17 يناير 2024) “نحن نفكر في الشكل الذي يجب أن يبدو عليه المستقبل بعد الحرب – منطقة تتمتع إسرائيل فيها بالأمن ويكون للفلسطينيين دولتهم الخاصة”، وأوضح “في هذه اللحظة من الصعب تخيل ذلك، لكنه المسار الوحيد الذي يمكن أن ينجح. ليس بعد سنوات، ولكن في المدى القريب إذا اتخذ الجميع قرارات شجاعة واختاروا هذا الطريق”.
ويلتقي مع هذه القناعة أيضا موقف السعودية التي أعلنت أنها لا تمانع في الاعتراف بإسرائيل وتطبيع العلاقات معها في مقابل إقامة دولة فلسطينية، كما صرح بذلك وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان في منتدى دافوس.
الحكومة الإسرائيلية ورغم أنها لا تحبذ فكرة إقامة الدولة الفلسطينية، إلا أنها تبدوة هذه المرة مضطرة إلى التعامل مع هذه المسألة بجدية.
خاصة أن المرحلة التي ستلي الحرب سوف تتطلب مشروعا سياسيا متكاملا، يشمل بالإضافة إلى وضع قطاع غزة وإعادة الإعمار فيه، دور السلطة الفلسطينية في حكمه وطبيعة التسوية التي ستلي ذلك.
وقد أعلنت الحكومات الخليجية التي تحدث معها وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن مؤخرا أنها لن تساهم في إعادة إعمار قطاع غزة إذا لم تقدم ضمانات بأنه لن يتم تدمير ما تقوم بإعماره بعد سنة أو عدة سنوات. ويعني مثل هذا الكلام أن هذه الدول تربط مشاركتها في إعادة الإعمار وربما إعادة تأهيل القطاع بتسوية سياسية تضمن استعادة الهدوء والاستقرار.
بطبيعة الحال لم يتحدث أحد هنا، علنا على الأقل، بما في ذلك الجانب الأميركي عن شكل الدولة الفلسطينية أو طبيعتها وما إذا كانت ستكون منزوعة السلاح أم لا وما الذي سوف تشمله من أراض وما هي حدودها؟
هذه التفاصيل يبدو أنه تم تركها إلى مرحلة لاحقة، حيث أن الأمر المهم حاليا هو مبدأ إقامة الدولة نفسه، والتي تبدو أكثر منالا في حال تمكنت السلطة الفلسطينية من إعادة سلطتها إلى قطاع غزة وبذلك يتم توحيد الضفة والقطاع تحت حكم واحد.
بطبيعة الحال هناك الكثيرون الذين يشككون في أن تقبل إسرائيل بإقامة دولة فلسطينية من الأساس وهناك الذين يشككون أيضا في جدية الولايات المتحدة وتمسكها بهذه الفكرة حتى النهاية.
لا جدال في أن الإسرائيليين لا يرغبون في هذه الفكرة، وهم سوف يتشددون في أمر إقامة الدولة الفلسطينية، وسوف يسعون لوضع جميع العقبات والعراقيل في طريقها أو على الأقل إذا لم يكن هناك مفر من وجودها أن يكون ذلك مرتبطا بشروط قاسية، تجعل الفلسطينيين أنفسهم لا يوافقون عليها في نهاية المطاف.
ولا جدال أيضا في أن الإدارة الأميركية الحالية ورغم جديتها ورغبتها الحقيقية في حل الدولتين قد لا يكون لديها الوقت الكافي لتطبيق ذلك خاصة إذا لم يتم التجديد للرئيس الحالي جو بايدن. ففي حالة مجىء الجمهوريين إلى البيت الأبيض فسوف يكون لهم برنامجهم ومشروعم المختلف لحل هذه القضية.
وبالتالي فإن التصورات الخاصة بمستقبل المنطقة بعد الحرب في غزة، رغم التصريحات والتفاصيل التي يجري الحديث عنها الآن قد لا ترى النور، وربما تتخذ الأمور مسارات أخرى مختلفة.
مع ذلك يظل هناك أمر أساسي وهو أن السلطة الفلسطينية هي الوحيدة القادرة على هزيمة التشدد الإسرائيلي عبر الإمساك بطرف الخيط كما يقال وهو إقامة الدولة الفلسطينية، وفي ظل التأييد الأميركي والسعودي والعربي لذلك من المهم أن تبادر رام الله إلى تقديم تصورها لهذه الدولة وإقناع هذه الأطراف بأنها جادة بالفعل هذه المرة.
ولعل أهم بند في هذا التصور يكون المبادرة بالإعلان عن التخلي النهائي عن طريق العنف والخيار المسلح وحل التنظيمات المسلحة وتغيير الخطاب الإعلامي والتربوي والتفرغ لبناء مؤسسات الدولة القادمة.
بمعنى آخر أن تعمل السلطة الفلسيطينية بشكل فعلي وبوضوح على أن دولتها لا تشكل أي تهديد مستقبلي لإسرائيل وأنها لن تتحالف مع دول مارقة مثل إيران أو تدخل في تحالفات مع جماعات وميليشيات خارجية.
أعتقد أن دولة كهذه سوف تحظى بتأييد العالم أجمع ولن تتمكن إسرائيل من رفضها. وحتى إذا لم تتمتع في البداية بجميع مقومات السيادة فإنها سوف تحصل عليها في نهاية المطاف، ما دام أنها سوف تظل متمسكة بخيار السلام ونبذ العنف قولا وفعلا.