قناة الجزيرة وتغطية معارك غزة

بقلم/ عمران سلمان – نقطة ومن أول السطر – 29 ديسمبر 2023/

من يشاهد قناة الجزيرة ويستمع لتحليلات الدويري يعتقد بأن مسلحي حماس في طريقهم لسحق الجيش الإسرائيلي وأن إسرائيل سوف ترفع الراية البيضاء بعد قليل!

في الوقت نفسه تشير تصريحات الناطق باسم الجيش الإسرائيلي إلى واقع مغاير فحواه أن الهجوم الإسرائيلي في غزة حقق حتى الآن عددا  من أهدافه ولا سيما السيطرة العملية على جزء كبير من القطاع وكذلك مقتل الآلاف من مسلحي حماس و تفجير عدد كبير من الأنفاق وكذلك المنشآت التابعة للحركة.

لا نعرف بالضبط من هو الصحيح بنسبة مائة بالمائة، لكن من الراجح أن ما تقوله إسرائيل هو الصحيح أو بالأحرى الأقرب إلى الصحة.

ودليلنا في ذلك أن من يريد وقف القتال اليوم هو حماس وداعميها في قطر وتركيا وغيرهم، بينما يريد الجيش الإسرائيلي إطالة أمد العمليات العسكرية أطول فترة ممكنة بغية استئصال شأفة الحركة.

هذا يعني أن المتضرر الحقيقي هو الذي يطلب وقف القتال وليس العكس.

الأمر الآخر هو أن الخسائر العسكرية الإسرائيلية حتى الآن (وهي معلنة) جراء المعارك في غزة (رغم ارتفاعها) تظل منخفضة نسبيا حيث أن  التقديرات كانت تشير إلى ضعفي أو ثلاثة أضعاف الأرقام الحالية على الأقل.

وبتصوري أن إسرائيل قد أنهت فعليا حكم حركة حماس لقطاع غزة، حيث تم تدمير معظم مؤسساتها ومراكز حكمها وقريبا سوف يتم اصطياد الضيف وصاحبه السنوار وتبدأ مرحلة النهاية للوجود المسلح لحماس في غزة.

وبالتدريج سوف يتحول الوضع في القطاع إلى حالة تشبه تلك الموجودة حاليا في الضفة الغربية حيث تدور المعارك على نحو منخفض بين مسلحي الفصائل والجيش الإسرائيلي، وحيث يكون الهجوم مركزا وموضعيا ويستهدف مباشرة المسلحين الفلسطينيين.

وباعتقادي أن قادة حماس في الخارج وبالبرغماتية المعروفة عن الإخوان المسلمين، بدأوا في الحديث عن مستقبل غزة بعد الحرب حيث يريدون أن يكون لهم نصيب في حكم القطاع.

وفي حين توجد معارضة أميركية، وليس فيتو، على عودة حماس لحكم غزة فإن هناك جدل بين مصر وبعض العواصم العربية وإسرائيل بشأن ما إذا كان من الواقعي استبعاد حماس والجهاد كليا من السلطة في غزة مستقبلا.

بتصوري أن حركة حماس سوف يتم القضاء عليها فعليا، وأن من سينجو منهم سوف يضطر إلى التخفي واتخاذ أسماء أخرى بغية البقاء في الحياة السياسية.

 والسؤال هو من سوف يحكم غزة مستقبلا؟

الولايات المتحدة تريد إعادة تأهيل السلطة الفلسطينية للاضطلاع بمسؤولية إدارة القطاع وهناك زيارات لمسؤولين أميركيين لرام الله من أجل هذا الغرض.

إسرائيل من جهتها لا تثق بالسلطة الفلسطينية وهي ترى أن السماح للسلطة وحدها بإدارة غزة يعني إعادة أنتاج الظروف التي هيأت لهجمات 7 أكتوبر وربما بصورة أكثر وحشية. وما يدعم الموقف الإسرائيلي هو سلوك السلطة الفلسطينية المحرض على العنف والكراهية سواء في المناهج الدراسية أو وسائل الإعلام أو خطاب المؤسسات الدينية.

لكن ذلك كله قد يتغير في حال أمكن تجديد السلطة الفلسطينية وضخ دماء شابة فيها.

 وهناك فرصة اليوم لإعادة تأهيل السلطة ليس فقط لحكم غزة ولكن لحكم الضفة الغربية على نحو فعال.

وتسدي العمليات العسكرية الإسرائيلية في مدن الضفة المختلفة والهادفة للقضاء على مسلحي حماس والجهاد الإسلامي وغيرها من الفصائل، خدمة جليلة للسلطة إذ هي توفر عليها خوض معارك حساسة ومكلفة مع هؤلاء المسلحين الذين يهدفون إلى تقويض حكمها.

بعبارة أخرى يبدو وجود السلطة الفلسطينية فعالا ولا غنى عنه رغم المآخذ والاعتراضات الإسرائيليىة، والمطلوب هو تطوير مؤسسات السلطة ورفع أدائها وليس التخلص منها. ففي نهاية المطاف تحتاج إسرائيل إلى شريك فلسطيني من أجل تحقيق السلام وإقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح تعيش بأمن وسلام إلى جانب دولة إسرائيل.

كما تحتاج إلى أن تثبت أن ما يجري اليوم هو ضد مسلحي حركة حماس وضد الذين يتبنون خيار العنف والقتل وأنه ليس موجها ضد الشعب الفلسطيني وطموحاته المشروعة.

وأعتقد أن المجتمع الإسرائيلي، ورغم المرارات التي تجرعها يساند حلا سلميا مع الفلسطينيين، لكن هناك إجماع على أن العودة إلى ما قبل 7 من أكتوبر تبدو مستحيلة وكذلك التسامح مع وجود المسلحين في الضفة الغربية أو غزة، ولا ينبغي أن نلومهم في ذلك ابدا.

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.