الجماعات الإسلامية وحقوق الإنسان

بقلم/ عمران سلمان – 9 يناير 2024/

من الصعب الكتابة هذه الأيام عن أي موضوع لا يتعلق من قريب أو بعيد بالحرب الدائرة بين إسرائيل وحركة حماس وإلى حد ما بحلفاء حماس. فالأنظار كلها مشدودة وكذلك العقول والقلوب لما يجري في قطاع غزة والساحات المرتبطة بها.

ومع ذلك يمكننا المغامرة بالحديث عن بعض القضايا، بين مزدوجين، من دون أن نشعر بأننا نغرد تماما خارج النص أو سياق الأحداث، حتى وإن كنا نفعل ذلك في واقع الأمر.

من الأمور الغريبة والباعثة على الدهشة في هذا الزمن أن يتحدث الإسلامي عن حقوق الإنسان! وسواء كان يتحدث عن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أو عن المنظمات المعنية بحقوق الإنسان أو ببساطة يطالب بحقوقه من العالم والمجتمع الدولي.

أقول إن هذا من الأمور الغريبة التي لا تستقيم، والسبب في ذلك هو أن الإسلام والأديان عموما لا تعترف بحقوق الإنسان!

مفهوم الإنسان نفسه وكذلك حقوقه هي مفاهيم حديثة لم تكن معروفة في وقت نشوء الأديان ولذلك لا يوجد نص ديني يتحدث عن الإنسان بهذا المعنى أو يأتي على ذكر تلك الحقوق.

معظم الحديث هو عن خلق الإنسان وعن أصله البيولوجي وربما تكليفه الديني، أما المفاهيم الدالة على الحقوق فهي تنصرف إلى حد كبير إلى المسلم أو المؤمن، ومن لم يدخل في هذه الدائرة ففي الغالب لا حقوق له.

لا يعني ذلك أن غير المسلم أو المؤمن استبعد تلقائيا وعلى الدوام من المجتمع الإسلامي، إذ لا يخلو التاريخ من مظاهر كانت بعض الدول الإسلامية توفر قدرا من الحماية والظروف الملائمة لهؤلاء كي يعيشوا وينشطوا في المجتمع.

لكن المقصود هنا هو أن الإنسان في الأديان عموما مرتبط بالنص الديني وتعريفه (القانوني على الأقل) مستمد من تلك العلاقة التي تربطه بهذا النص. فهو يرتفع أو يهبط في سلم البشرية وفي الأهمية الاجتماعية بحسب قربه أو بعده، التزامه أو تهاونه بالنص  الديني. فهو تارة يقترب من الملائكة وتارة أخرى يصبح كالأنعام!.

ولأن الدولة الدينية هي ترجمة، أو هكذا يفترض، لإرادة النص والمكلفة بتنفيذ تعاليمه وتطبيق ما يبيحه ومنع ما يحرمه (الحكم بما أنزل الله) فإن الإنسان في هذه الدولة هو الآخر يصبح مشمولا ضمن تلك التعاليم، ولذلك فهو في الغالب يعامل بوصفه “رعية”، و”عبدا لله” ولا يمكنه بحال أن يحظى باعتراف يتجاوز النص الديني، أو يحظى بحريات وحقوق لا يقرها هذا النص، أو لم يأت على ذكرها صراحة، ولم يجر تأصيلها على يد الفقهاء ورجال الدين.

حقوق الإنسان الحديثة تنتمي إلى هذا النوع من الحقوق التي تقع خارج النص الديني. ومن ذلك حق الإنسان في اعتناق أو تغيير دينه أو معتقده. وكذلك فكرة المساواة بين الناس بصرف النظر عن الدين أو الجنس أو العرق أو اللون أو السن … الخ.

وحقوق الإنسان اليوم هي الأساس الذي يقوم عليه مفهوم الفردية أو الفرد في المجتمع وخاصة في الدول الغربية وهو المفهوم الذي يقابله تعبير المواطن في المجال السياسي والمجال المتضمن للعلاقة بين الفرد والدولة.

أما المجتمع القائم على الدين، خلاف المجتمع المدني، فهو لا يعترف بفردية الإنسان ولا يقرها. ولذلك لا يمكن للبشر في هذا المجتمع أن يتصرفوا كأفراد أو يمارسوا حرياتهم أو يغامروا بالكشف عن آرائهم الحقيقية أو يعبروا عن ذواتهم بالطريقة التي يشاءونها.

في هذا المجتمع يتم تشجيع الأفراد ونصحهم بعدم مغادرة الجماعة والالتزام بالعقائد المجتمعية والأفكار والمواقف السائدة أو المقبولة من قبل المجموع أو على الأقل تلك التي لا تعتبر متنافرة مع المزاج العام.

بهذا المعنى لا يمكن للمجتمعات القائمة على الدين، كما هو الحال مع غالبية مجتمعاتنا العربية، أن تعترف للإنسان بحقوق خارج تلك التي نص عليها الدين، ولا يمكن بالتالي للجماعات الإسلامية تحديدا أن تتصالح مع حقوق الإنسان، وهي إنما تستخدمها، كلما وجدت نفسها مضطرة، من أجل أغراض نفعية انتهازية ومؤقتة، كما فعلت وتفعل مع الانتخابات والديمقراطية، وكما تتحالف مع بعض الجماعات التي تقف عادة معها على طرفي نقيض أيديولوجيا ، مثل جماعات اليسار المتطرف والمنظمات المعنية بحقوق الإنسان وأحيانا حتى بعض الجماعات النسوية وخاصة في الغرب.  

مع أن تعامل النص الديني مع المرأة تحديدا، هو من أكثر المظاهر الذي يمكن أن نلمس فيها ونشاهد الانتهاكات المريعة لحقوق الإنسان في بعض من أشد صورها قتامة.

هذا المقال منشور أيضا على موقع نقطة ومن أول السطر.

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *