بقلم / عمران سلمان – 4 يونيو 2023/
يتوجه وزير الخارجية الأميركي توني بلينكن يوم الثلاثاء (6 يونيو) إلى الرياض في زيارة تستغرق يومين، وفي جدول عمله لقاءات مع المسؤولين السعوديين تتعلق بالحرب على تنظيم داعش وأخرى بالعلاقات الثنائية بين البلدين، وكذلك سوف يعقد اجتماعا مع نظراءه من دول الخليج.
وفي حين لا تحمل هذه الزيارة فيما يبدو رسالة خاصة من إدارة الرئيس بايدن للرياض، فإنها تعتبر في حد ذاتها دليلا على حرص أميركي في إظهار الرغبة في الحفاظ على مستوى متقدم من العلاقات مع السعودية والتنسيق إزاء قضايا المنطقة وخاصة الملتهبة منها، وهي رغبة تنطلق من حقيقة أن البلدين ورغم تبدل الإدارات واختلاف الأولويات والقراءات في واشنطن بشأن الشرق الأوسط، فقد حافظا على درجة متقدمة من التحالف، والشراكة العسكرية، والأمنية، والسياسية.
ورغم الخلافات والاختلافات بشأن طائفة واسعة من القضايا، فإنه لا يبدو أن أحدا في موقع المسؤولية سواء في الرياض أو واشنطن يرغب في التفريط في الإرث الممتد لأكثر من سبعة عقود من العلاقة والصداقة المستمرة بين البلدين.
وتدرك الإدارة الأميركية بأن السعودية هي المفتاح للعديد من الملفات في المنطقة، ولم يكن مصادفة قيامها بالتنسيق مع الرياض للتوسط في هدنة في السودان، كما تدرك السعودية أن العلاقة مع واشنطن لا يمكن تعويضها بالعلاقة مع الصين أو روسيا. فرغم أهمية هذه الأخيرة على صعيد النفط خاصة، يظل السلاح الأميركي والتكنولوجيا الأميركية وكذلك الاقتصاد الأميركي عاملا حاسما في حاضر ومستقبل السعودية.
بطبيعة الحال تغيرت الأولويات الأميركية في المنطقة منذ السبعينات وحتى اليوم. فقد كانت في السابق تدور حول حماية طرق إمدادات النفط ومواجهة المد السوفييتي والحفاظ على أمن إسرائيل، فيما هي اليوم تركز بصورة متزايدة على تقديم الدعم وتشجيع دول الخليج على زيادة التنسيق فيما بينها وتطوير إمكانياتها الذاتية وإدماج إسرائيل في المنطقة، في إطار منظومة أمنية وسياسية واقتصادية استراتيجية، بالشراكة مع واشنطن والحلفاء الغربيين.
ورغم أن السعوديين لا يرون في الأولويات الأميركية الجديدة في المنطقة السيناريو المفضل لديهم، إذ هم يصرون على حضور أميركي والتزام عسكري وسياسي أكبر، مثلما كان عليه الأمر في الماضي، وهذا هو الذي يفسر إعادة علاقتهم مع طهران وكذلك التقارب مع موسكو وبكين، إلا أنهم يدركون أيضا بأن حدود هذا التقارب تظل محدودة، وأن تحسين العلاقات مع الإيرانيين من شأنه أن يزيل بعض التوتر في منطقة الخليج وكذلك في الشرق الأوسط، لكنه لن يدفع بالضرورة طهران إلى تغيير سلوكها وأهدافها أو تبديل استراتيجيتها القائمة على التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية.
لذلك فإنه في الوقت الذي تسعى فيه الحكومة السعودية إلى تنويع علاقاتها وصداقاتها الخارجية، بما يتيح لها مرونة أكبر في الحركة على المسرح الدولي، فإنها تعلم أيضا أن ذلك لا يصلح أن يكون بديلا عن العلاقة مع الولايات المتحدة التي قد يتغير شكلها وربما تطرأ عليها بعض المستجدات، لكن جوهرها الأساسي يظل قائما، وهو التحالف والشراكة الطويلة الأمد.
ومع ذلك يظل السؤال هنا هو كيف يمكن لهذه العلاقة التي صمدت طوال هذه الفترة، رغم تبدل الظروف والسياسات والأشخاص، أن تنجو هذه المرة في ظل التغير العميق الذي طرأ على السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، وكذلك في ظل الإصلاحات الاجتماعية الكبيرة التي يقوم بها ولي العهد السعودي، ودور المملكة الإقليمي والدولي، وهل يمكن تطويرها بصورة تجعلها تتكيف وتأخذ شكلا وجوهرا يتلاءم مع هذه المستجدات؟
هذه بعض الأسئلة التي سوف تواجه العلاقات السعودية الأميركية في المرحلة المقبلة والتي سوف يتعين البحث عن إجابات لها.