بقلم/ عمران سلمان – 16 مايو 2023/
على عكس ما توقعته استطلاعات الرأي خلال الفترة الماضية فقد تمكن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من التقدم على منافسه كمال كليتشدار أوغلو، زعيم حزب الشعب الجمهوري، في الانتخابات الرئاسية، وإن لم يتمكن من الفوز من الجولة الأولى، الأمر الذي استوجب خوض جولة إعادة في 28 من مايو الجاري.
مع ذلك يمكن القول إن نتيجة هذه الانتخابات رافقتها جملة من الظواهر المتضاربة، فمن جهة فشلت المعارضة في استغلال حالة السخط الجماهيري على الأداء الاقتصادي السيء لحكومة أردوغان وتعاملها البطيء مع كارثة الزلزال وكذلك الرغبة لدى الأجيال الشابة في التغيير بعد 20 عاما من وجود حزب العدالة والتنمية في الحكم وترجمة ذلك إلى نتائج انتخابية، ومن جهة أخرى كان واضحا أن أردوغان وحزبه تراجعا في نسب التأييد الشعبي، سواء في الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية.
ولأول مرة منذ سنوات طويلة يجد الرئيس التركي نفسه يقاتل من أجل تفادي الهزيمة.
وحقيقة كونه لم يفز في أي مدينة تركية رئيسية مثل إسطنبول أو أنقرة أو أزمير يعكس تآكل التأييد الذي كان يحظى به، وهو ما يؤذن ببداية النهاية لحكم حزب العدالة والتنمية.
مع ذلك ربما يكون من المرجح أن يفوز في الجولة الثانية من الانتخابات في حال صمدت النتائج التي حققها في الجولة الأولى وكذلك توزع الأصوات التي حصل عليها المرشح الثالث سنان أوغان (5,17 في المئة).
وحتى الآن ضمن الأغلبية في البرلمان، الأمر الذي يؤهله للحكم في حال فاز مرشح المعارضة ونفذ وعده بإلغاء النظام الرئاسي واستعادة النظام البرلماني.
تبقى الملاحظة الأبرز في هذه الانتخابات، هي وجود الرغبة في التغيير لدى الأتراك وخاصة الفئات الشابة والمتعلمة منهم. صحيح أن هذه الرغبة لم تكن بالقوة التي جعلتها تنعكس على النتائج في صناديق الاقتراع، لكن مفعولها كان واضحا مع ذلك في تقلص الدعم الذي كان يتمتع به حزب العدالة والتنمية الحاكم. وكان واضحا أكثر في الأجواء التي أشاعتها قبيل الانتخابات حيث ساد التفاؤل والتوقعات لأول مرة منذ سنوات طويلة بإمكانية أن تنجح المعارضة في تحقيق نتائج أفضل في هذه الانتخابات، وربما هزيمة أردوغان نفسه.
هذا التفاؤل لم يبق داخل حدود تركيا وإنما وجد تأثيره أيضا في الخارج، حيث تداعى حلفاء الرئيس التركي من الإخوان المسلمين وزعيمتهم قطر وآخرون من الإسلاميين ومن لف لفهم، إلى مساعدته وبذلوا جهودا إعلامية كبيرة للدفاع عن أردوغان والتقليل من شأن المعارضة التركية.
وقبيل الانتخابات بأيام أصدر أكثر من 60 رجل دين إسلامي بارز من مختلف الدول الإسلامية، ولا سيما المنتمون منهم إلى ما يسمى “الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين” الذي يتخذ من الدوحة مقرا له، بيانا يرقى إلى كونه فتوى دينية تدعو الأتراك إلى التصويت لصالح أردوغان، مؤكدين أن الانتخابات التركية هي “واحدة من القضايا الإسلامية”.
بالطبع يدرك هؤلاء (وهم ممثلون للإسلام السياسي في شقه الإخواني) بأن هزيمة أردوغان سوف تقود إلى تداعيات كبيرة ومؤثرة في المنطقة، وأنهم سوف يخسرون حليفا رئيسيا لطالما وفر لهم، ولا يزال، الدعم السياسي والمالي والإعلامي. ولذلك فإنهم في الواقع يتصرفون انطلاقا من مصالحهم الحزبية والسياسية المباشرة.
في المقابل لا تبدو معركة المعارضة في تركيا مع حزب العدالة والتنمية متركزة على الهوية الإسلامية، وإن كان لهذه الهوية دورا بالطبع، وخاصة في الجوانب التي تخدم الاستبداد السياسي والاجتماعي، ولكن المعركة هي سياسية بالأساس، وتظهر استطلاعات الرأي التركية أن كثيرا ممن انتقدوا حكومة أردوغان فعلوا ذلك لأسباب اقتصادية في المقام الأول، ثم لأسباب تتعلق بالنهج الاستبدادي ولرغبتهم في التغيير.
يبقى القول بأن هذه الانتخابات وإن لم تجلب معها التغيير الذي يتطلع إليه العديد من الأتراك، إلا أنها مع ذلك خلقت حراكا شعبيا في هذا الاتجاه وسوف يتوقف الأمر على قدرة المعارضة على استثماره، وتحويله إلى نتيجة انتخابية من خلال صناديق الاقتراع.