بقلم / عمران سلمان – 15 يونيو 2023
تواجه السياسة الأميركية المتعلقة بإيران تحديات جمة. فمن جهة تريد الإدارة الأميركية الاحتفاظ بزمام المبادرة فيما يتعلق بالملف النووي، وضمان أن طهران لا تستغل الظروف الحالية من أجل تخصيب اليورانيوم إلى الدرجة التي تسمح لها بإنتاج سلاح نووي، حتى وإن اقتضى الأمر تقديم بعض التنازلات البسيطة للإيرانيين من قبيل تسهيل العقوبات.
في الوقت نفسه تجاهد هذه الإدارة من أجل إعادة تموضع صحيح للسياسة الأميركية في المنطقة في ظل الانفراج الكبير والمتسارع للعلاقات على ضفتي الخليج، بين إيران وجاراتها وخاصة عدوها اللدود السعودية. بل أكثر من ذلك يبدو أن ذوبان الجليد الإيراني الخليجي بدأ يصل إلى مصر ودول عربية أخرى باتت ترى في التدخل الصيني الذي مكّن من المصالحة بين الرياض وطهران بديلا عن الدور الأميركي التقليدي أو على الأقل مساويا له.
وهنا يمكن للولايات المتحدة أن تجد نفسها في وضع ليس فقط بوصفها أحد الخاسرين مما يجري في المنطقة وإنما أيضا عاجزة عن وضع سياسة فعالة ومتماسكة إزاء معظم الملفات المهمة فيها.
يمكن بطبيعة الحال الجدال بشأن هذه النقطة الأخيرة، ولا سيما أن أحد النتائج المتوقعة للاستراتيجية الأميركية الجديدة والتي تركز على الصين وروسيا وتعطي أهمية أقل للشرق الأوسط، هي دفع دول المنطقة لمعالجة مشاكلها بنفسها والتفكير في حلول للازمات الإقليمية. وهذا على الأقل ما يبدو أن دول المنطقة قد فعلته ولا سيما دول الخليج التي وجدت نفسها في مواجهة التهديدات الإيرانية ومن دون دعم أو سند أميركي حقيقي، حيث اقتنصت فرصة انكشاف النظام الإيراني في الأزمة الداخلية الأخيرة المتعلقة بالحجاب، والضعف الذي بدا عليه، وتوصلت إلى اتفاق معه يقضي باستئناف العلاقات الدبلوماسية.
وبالتالي، وفق هذا المنطق، قد لا توجد مفاجآت هنا، فما أرادته الولايات المتحدة قد حققته بالفعل، وهو أن تراجع اهتمامها بالمنطقة قد دفع دولها لأخذ زمام المبادرة وحل أزماتها بنفسها.
لكن الحقيقة هي أن الأمور قد لا تبدو على هذا النحو تماما. والعلاقات الدولية لا تعرف الفراغ، فحيثما توجد فرصة تقوم الدول المنافسة باستغلالها.
ومن الواضح أن الدور الأميركي في المنطقة يعاني ضعفا منذ بعض الوقت، ويمكن ملاحظة أن الثقل السياسي والمعنوي الأميركي يتآكل، ولا يوجد اليوم تنسيق حقيقي سواء على المستوى السياسي أو النفطي أو الاقتصادي بين واشنطن ودول المنطقة. ويظهر الحضور الصيني المتزايد وكذلك الروسي أيضا أن دول الخليج تستخدم التنافس الصيني الأميركي كأداة لتعظيم مكاسبها وربما ورقة من أجل المقايضات وحماية مصالحها، وهذا يعني أن نفوذ الصين الاقتصادي والسياسي في الشرق الأوسط سوف يتضاعف وربما يقترب من النفوذ الأميركي في وقت ما، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار حقيقة أن الصين وكذلك دول آسيا الأخرى هي المستورد والمستهلك الرئيسي لنفط الخليج. كما أن من شأن استقرار العلاقات الإيرانية السعودية وتطورها أن يضع المزيد من الضغوط على التحالف العسكري مع واشنطن.
بعبارة أخرى فقد استبدلت السعودية ودول الخليج سياسة الانزعاج وإلقاء اللوم على الإدارة الأميركية بسبب تفضيلها الحل الدبلوماسي والتفاوض مع طهران بشأن ملفها النووي، بالذهاب هي نفسها مباشرة إلى إيران والتفاهم معها وصولا إلى إعادة العلاقات الدبلوماسية.
وفي الوقت الذي خفف هذا التوجه من التوتر في المنطقة، فإنه وضع تحديات على الطريقة التي سوف تدير بها الولايات المتحدة للملف الإيراني، وخاصة النووي منه. وليس معروفا بعد ما إذا كانت إدارة بايدن راغبة في تخصيص الوقت والجهد من أجل حلحلة هذا الملف، أم أنها سوف تكتفي بالتوصل إلى تفاهمات غير مباشرة بهدف تثبيت الوضع الحالي ريثما يحين الوقت مستقبلا لمعالجة هذا الملف بصورة جدية. المؤشرات تفيد بأنها تتجه نحو الخيار الثاني.
أو هذا على الأقل ما تشير إليه الأنباء الأخيرة عن توصل الجانبين إلى اتفاق غير رسمي وغير مكتوب ينص على عدم تخصيب إيران اليورانيوم بما يتجاوز مستوى إنتاجها الحالي البالغ 60 في المائة وفي المقابل تمتنع الولايات المتحدة عن تشديد العقوبات على طهران وعدم السعي لإصدار قرارات عقابية جديدة في الأمم المتحدة أو الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وهو اتفاق يبدو أنه يحظى أيضا بموافقة القيادة الإيرانية حيث صرح المرشد الإيراني آية الله علي خامنئي (11 يونيو) إنه لا ضير في إبرام اتفاقيات مع الغرب شريطة عدم المس بالبنية التحتية للصناعة النووية للبلاد. كما قال خامنئي إن إيران يجب أن تحافظ على الأقل على بعض التعاون مع المفتشين النوويين الدوليين.