بقلم/ عمرن سلمان – 8 مايو 2023/
ليس سرا أن الدول الأوروبية فشلت حتى الآن في معالجة مشكلة تدفق المهاجرين غير الشرعيين إلى أراضيها. وكل دولة ترمي بفشلها على الدولة المجاورة لها.
خلاف إيطالي فرنسي
ويعكس حجم الخلاف الدبلوماسي المندلع حاليا بين فرنسا وإيطاليا المدى الذي بلغه هذا الفشل. وسبب الخلاف هو تصريح أدلى به وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان (4 مايو 2023) لإذاعة آر.إم.سي قال فيه إن رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني “غير قادرة على حل مشاكل الهجرة التي انتُخبت على أساسها” واتهمها بالكذب على الناخبين بالقول إن بوسعها إنهاء أزمة وصول أعداد متزايدة من المهاجرين بالقوارب.
كما شبهها بالزعيمة الفرنسية اليمينية مارين لوبان قائلا “اليمين المتطرف لديه خصلة سيئة وهي الكذب على الناس”.
وبالطبع لم يكذب الوزير الفرنسي، وإن خانته اللباقة، لأن الأرقام تؤكد صحة ما يقوله.
فقد أعلنت وزارة الداخلية الإيطالية أن أكثر من 42 ألف شخص وصلوا إلى إيطاليا هذا العام عبر البحر المتوسط، مقابل نحو 11 ألفا خلال الفترة نفسها من العام 2022. ونصف هؤلاء يأتون من بلدان أفريقية ناطقة بالفرنسية.
وتشعر حكومة باريس بأن نظيرتها في روما لا تفعل ما يكفي للسيطرة على تدفق المهاجرين، لذلك أعلنت رئيسة الوزراء الفرنسية إليزابيث بورن في نهاية أبريل عن تعبئة 150 من أفراد الشرطة والدرك “الإضافيين” في جبال الألب للتعامل مع “ضغط الهجرة المتزايد على الحدود الإيطالية” وكذلك إنشاء “قوة حدود”.
ولا تزال باريس تشعر بالمرارة لرفض حكومة جورجيا ميلوني بعيد تسلمها السلطة في نوفمبر الماضي السماح برسو السفينة الإنسانية التابعة لمنظمة “إس أو إس المتوسط” التي انتهى بها الأمر أن استقبلتها فرنسا أول مرة في تولون.
وأثارت هذه الحادثة غضب فرنسا التي دعت إلى اجتماع على المستوى الأوروبي لكيلا يتكرر هذا السيناريو غير المسبوق.
منذ ذلك الحين، ازدادت عمليات العبور السرية بالقوارب، مع ظهور ممر بحري جديد بين تونس وإيطاليا التي تعد من أبرز بوابات أوروبا للمهاجرين غير الشرعيين.
إجراءات مشددة
ولا يبدو الوضع في باقي الدول الأوربية أفضل حالا. وفي حين تكافح بريطانيا من أجل إرسال المهاجرين إلى بلد ثالث (رواندا) يعتزم وزراء داخلية الاتحاد الأوروبي خلال اجتماعهم المقرر في الثامن من يونيو المقبل بحث إجراء تعديلات على نظام اللجوء الأوروبي المشترك.
وبحسب مكتب الإحصاء الأوروبي “يوروستات” فقد صدرت في عام 2022 أوامر لأكثر من 422 ألف مهاجر غير شرعي أو 23% بمغادرة الاتحاد الأوروبي، أو يتم اعتبارهم يقيمون في التكتل بشكل غير قانوني، وذلك مقارنة بحوالي 342 ألف شخص في عام 2021.
ومن جانبها تدرس الحكومة الألمانية ما إذا كان يمكن تنفيذ إجراءات اللجوء في دول خارج الاتحاد الأوروبي. وقالت وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر في تصريحات لصحيفة “فرانكفورتر ألغماينه زونتاغس تسايتونغ” الألمانية، (30 أبريل 2023)، إنه يجري التخطيط “لاتفاقيات هجرة دستورية مع دول ثالثة”.
وكان استطلاع للرأي نشرت نتائجه في شهر مارس الماضي أظهر أن الحق في اللجوء فقد الدعم بين المواطنين في ألمانيا. وجاء في الاستطلاع الذي أجراه معهد “ألنسباخ للديمقراطية” أن 39% فقط ممن شملهم الاستطلاع يرون الحق في اللجوء في شكله الحالي جيداً. ويذكر أن هذه النسبة كانت تبلغ 52% في عام 2017.
وبحسب الاستطلاع أيضا، يرى 20% فقط من المواطنين الألمان أن بلادهم قادرة حالياً على استقبال مزيد من اللاجئين، وفي المقابل رأى 59% أن ذلك أمر غير ممكن.
أسباب المشكلة
يرى العديد من المراقبين ان مشكلة المهاجرين لا تنبع من تغير في المواقف أو القوانين الأوروبية من الهجرة نفسها، فأوروبا ومنذ سنوات طويلة تستقبل كل عام أعدادا لا بأس بها من اللاجئين والمهاجرين من الدول المختلفة. وهناك اليوم أكثر من خمسة ملايين لاجئ أوكراني بسبب الحرب الروسية معظمهم في بولندا وألمانيا.
لكن المشكلة تكمن في (أولا) أن أعداد المهاجرين باتت كبيرة وإلى الدرجة التي أصبحت تهدد قدرة المجتمعات الأوروبية نفسها على استيعاب ودمج هؤلاء المهاجرين، وثانيا، تتحمل السلطات أو الإدارات المحلية في العديد من البلدان الأوروبية أعباء مالية واجتماعية متزايدة بسبب إيواء المهاجرين واستيعابهم.
وثالثا هناك الجانب الأمني، حيث لا يتيح الدخول غير الشرعي للمهاجرين إلى الدول الأوروبية للسلطات المختلفة الإمكانية للتحقق من هوياتهم ونوعية المخاطر التي يشكلونها على الأمن القومي، فضلا عن بقائهم بشكل غير قانوني في دول الاتحاد حتى بعد رفض طلبات لجوئهم. كما تشكل إعادتهم إلى البلدان التي أتوا منها مصاعب مالية وسياسية ودبلوماسية.
وتجمع معظم التقديرات على أن الهجرة غير الشرعية في ازدياد مضطرد، حيث تستمر حالة عدم الاستقرار والنزاعات في دول الشرق الأوسط وأفريقيا، فضلا عن فشل العديد من هذه الدول في التنمية والتعافي الاقتصادي. وهذا يعني أن في الأفق المزيد من المهاجرين والنازحين واللاجئين باتجاه الشمال.
لذلك فإن حكومات دول الاتحاد الأوروبي تقف اليوم في مفترق طرق، فإما أن تغير من قوانينها وسياساتها تجاه الهجرة غير الشرعية وتتخذ إجراءات فعالة (وإن كانت غير مرغوبة) بهدف وضع حد لهذه الظاهرة، أو تغامر بحدوث اضطرابات مجتمعية ستقود عاجلا أو آجلا إلى وصول أحزاب وحركات سياسية معادية للمهاجرين إلى السلطة، ستتولى بنفسها حل هذه المشكلة ربما بصورة عنيفة.