بقلم/ عمران سلمان – 6 مايو 2023/
في أحدث مقابلة له مع قناة آي 24 نيوز الإسرائيلية لم يتردد رئيس القائمة العربية الموحدة في الكنيست منصور عباس في مطالبة السلطة والفصائل الفلسطينية بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للعرب في إسرائيل. وحذر عباس من أن توريط المواطنين العرب في العمل المسلح أو ما يعرف بوحدة الساحات يعد أمرا كارثيا ويجلب نكبة جديدة للفلسطينيين.
وأشار، وهو محق في ذلك، إلى أن العنف والعمليات المسلحة لا تخدم سوى التطرف والمتطرفين. وبدلا من العنف دعا إلى بناء شراكة حقيقية بين العرب واليهود في إسرائيل كسبيل لإحلال السلام في المنطقة.
بالطبع هذه المواقف ليست غريبة على منصور عباس المعروف بتصريحاته المثيرة للجدل وخاصة الاعتراف بيهودية الدولة الإسرائيلية، والتي جلبت عليه غضب وانتقادات القيادات الفلسطينية في الضفة وغزة وخارجهما.
لكن هذه الجرأة في الطرح والتعبير عن المواقف هي فضيلة تحسب للرجل. بل هي تكشف عن نضج وبعد نظر لزعيم إسلامي تعود جذور حركته إلى الإخوان المسلمين، وهو أمور يفتقدها معظم السياسيين الفلسطينيين.
الواقع أنه لو توفر للفلسطينيين قيادات من هذا المستوى، لكانت القضية الفلسطينية قد حلت منذ أمد بعيد. ولكان الإسرائيليون والفلسطينيون يبنون شراكة اقتصادية وسياسية متقدمة في المنطقة، بدلا من التناحر والاقتتال.
لكن للأسف فإن منطق السلام لا يجد له آذانا صاغية، وهو الأضعف في ظل الصخب المستمر الناجم عن دق طبول الحرب.
إن معظم الفصائل الفلسطينية تعتبر الصراع مع إسرائيل غاية في حد ذاته، إما لأسباب دينية تتعلق بموقف الإسلام من اليهود وضرورة تخليص القدس من أيديهم، وإما لأسباب سياسية وقومية حيث إن مقاومة إسرائيل هي جزء من مقاومة الإمبريالية والرأسمالية العالمية وتندرج ضمن حركة لها صدى في أجزاء أخرى من العالم. وبهذا المعنى فإن استمرار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بات يخدم أغراضا كثيرة وباتت استدامته والحفاظ عليه مطلبا لقوى محلية وإقليمية ودولية. ولهذا تعثرت جميع المحاولات السياسية والدبلوماسية التي بذلتها أطراف دولية عديدة لإيجاد حل له طوال العقود الماضية.
وبات التصعيد في أعمال العنف وعمليات القتل والقتل المضاد واندلاع المواجهات العسكرية أمرا يتم التخطيط له بدقة في العواصم الإقليمية المتكفلة بـ/ والداعمة للفصائل الفلسطينية المسلحة، ويتم اختيار المناسبات الدينية والتواريخ ذات الدلالة بحيث يتم التصعيد فيها، والتحضير للتغطيات الإعلامية المصاحبة لها وكذلك للخطاب السياسي الذي يعبر عن ذلك التصعيد وبصورة تجعله يمهد للمزيد من المواجهات القادمة.
ولا تخفي الجهات والأطراف المستفيدة من استمرار الصراع رغبتها في توسيع دائرة المواجهة بحيث تجر إليه أيضا الفلسطينيين أو العرب داخل إسرائيل، وخلال السنوات الأخيرة بذلت حركة حماس تحديدا وبعض الفصائل الأخرى جهودا كبيرة من أجل إقناع عرب إسرائيل بأنهم جزء من القضية الفلسطينية وأنهم معنيون بالمواجهة مثلهم مثل الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة. والمؤسف أن قسما من هؤلاء بات اليوم يحسب نفسه ضمن معسكر المواجهة، وتدل العمليات المسلحة التي نفذها عرب من داخل إسرائيل، وإن كانت محدودة حتى الآن، على نجاح هذه الجهود.
وهناك مخاوف من أن المواجهات القادمة ربما تحمل معها أنباء غير سارة في هذا الخصوص، مثل مشاركة بعض عرب إسرائيل فيها وما يحمله ذلك من صدام عنيف وخطير مع المجتمع والدولة الإسرائيلية.
من هنا يكتسب تحذير منصور عباس أهميته بضرورة إخراج عرب إسرائيل من معاملة “وحدة الساحات” لأنه ببساطة يدرك فداحة الثمن الذي سوف يدفعه الفلسطينيون في إسرائيل، وكذلك أن هذا الأمر لا يخدم القضية الفلسطينية نفسها، بقدر ما يخدم الأطراف الإقليمية التي تستغل الفلسطينيين وتتاجر بهم من أجل مصالحها ومشاريعها التوسعية.