الحرب الأهلية في السودان

بقلم/ عمران سلمان – 23 أبريل 2023/

مع تفجر المعارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع (الجنجويد سابقا) يكون السودان قد دخل فعليا في السيناريو العراقي، أو الليبي، أو السوري، أو اليمني، كثيرا أو قليلا. وهو سيناريو قد يقصر مع انتصار أحد طرفي الحرب ونجاحه في احتواء وحسم الموقف مؤقتا على الأقل، لكنه قد يطول أيضا وقد يصبح شائكا ومعقدا على نحو يصعب احتواؤه أو حله.

لكن الأمر المؤكد هو أن هذا الصراع ليس جديدا، وهو ليس فريدا بمقاييس السودان نفسه إلا في شكله العام، حيث نجحت ميليشيا مسلحة في منافسة الجيش في عقر داره. فمنذ استقلال البلاد عن مصر وبريطانيا عام 1956 توالت على السلطة حكومات مدنية وعسكرية، جاءت إما نتيجة انقلابات أو انتفاضات شعبية أعقبتها انتخابات عامة، ثم انقلابات فانتفاضات وهكذا. وكان جوهر هذا الحراك هو الصراع على السلطة. وهو صراع تشارك فيه أحزاب سياسية ونخب مدنية وزعامات طائفية وجنرالات عسكرية، مختلفة الانتماءات والتوجهات السياسية والدينية. وإذا كان ثمة تفسير لهذا القلق والاضطراب المجتمعي المستمر في السودان فهو أنه يعكس فشل السودانيين بعد الاستقلال في ابتداع طريقة أو نظام متفق عليه لإدارة بلادهم. فالسودان لا يتميز فقط بتعدد هويات وثقافات ساكنيه فحسب، ولكنه يتميز أيضا بتنوعه الاثني والجغرافي وبأنه يتكون من أقاليم منفصلة وبعيدة عن المركز. وكي يحصل نوع من الاستقرار لا بد أن يعكس الحكم في الخرطوم (بمؤسساته وتشريعاته وأنظمته المختلفة) كل هذا التنوع، وبصورة متوازنة، وحقيقية، وفعالة.

وحتى الآن لم يظفر السودان بمعادلة من هذا النوع، وجميع الحكومات التي توالت على حكم البلاد منذ الاستقلال، مالت إما لهذه الجهة أو تلك، نحو هذا الخطاب أو ذاك، هذه الهوية أو تلك، وذلك على حساب باقي الهويات.

وما يحدث اليوم من صراع مسلح على السلطة بين الجيش وقوات الدعم السريع ما هو إلا محاولة أخرى لحرف البلاد نحو وجهة معينة. وهي محاولة حتى وإن نجحت لن يكون تأثيرها سوى مؤقتا، وسرعان ما تجد نفسها ضحية إما لانقلاب عسكري أو انتفاضة شعبية.

بطبيعة الحال فإن هذه الديناميكية لا تجري في الفراغ، إذ أن لها أثمان أيضا. وأحد الاثمان هو انفصال أجزاء أخرى من البلاد إما لأنها غير قادة على الاستمرار في نفس هذ السيناريو أو أن لديها طموحات سابقة في الانفصال ووجدت الفرصة المناسبة للقيام بذلك. ومن الأثمان الأخرى أيضا تحول النزاع المسلح إلى حرب أهلية، إما بصورة نشطة أو خاملة، مع استمرار المتصارعين في السيطرة على مناطق أو مدن بعينها، واحتفاظهم بالسلاح والهياكل العسكرية التابعة لهم.

وهذا السيناريو الأخير بالذات ربما كان النتيجة الأكثر احتمالا للقتال الدائر حاليا، ولا سيما في ظل تعذر تحقيق أي من الطرفين انتصارا واضحا وحاسما على الطرف الآخر.  

وهذا من شأنه (في حال حدوثه) أن يضيف السودان إلى قائمة الدول العربية المتأزمة والتي تعاني من انهيار “الدولة” في مقابل انتعاش الميليشيات والقوى والعصبيات البدائية.

بعبارة أخرى فإن السودان الذي نعرفه اليوم ربما قد لا يعود قائما بعد انفجار الصراع المسلح بين الجيش وقوات الدعم السريع، ومع استمرار الصراع قد تجد بعض الأطراف السياسية والمجتمعية المحلية نفسها تنحاز إلى هذا الطرف أو ذاك، الأمر الذي من شأنه أن يعقّد الوضع العام في البلاد.

لكل بصورة عامة، يبدو أن السودانيين قد أضاعوا خلال العقود الماضية الفرصة تلو الأخرى لبناء وطن قادر على احتضان جميع مكوناته الدينية والقومية والإثنية والتعامل معها على قدم المساواة، وانشغل الكثير من ساسته وعساكره في الصراع على السلطة في الخرطوم. وكان يفترض أن يشكل انفصال الجنوب، وهو نتيجة طبيعية لذلك الفشل، نقطة تحول كبرى تؤدي إلى مراجعة شاملة على جميع المستويات للحفاظ على ما تبقى من مكونات السودان، لكن المؤسف أن ذلك لم يحدث، وبدلا منه استمر الوضع على ما هو عليه، وما يجري اليوم ليس سوى استكمال للمسلسل نفسه. 

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *