هل تركيا عدو أم صديق؟

بقلم/ عمران سلمان – قناة الحرة – 27 يناير 2023/

هل تركيا عدو أم صديق للغرب؟ هذا السؤال يطرحه منذ بعض الوقت بعض الباحثين والمختصين في العلاقات الأميركية والأوروبية مع تركيا، لكن من دون إجابة قاطعة أو مجمع عليها. وتركيا نفسها لا توفر إجابة، بل على العكس تسعى لإشاعة الغموض حول هذه المسألة.

الفريق الذي يعتبر تركيا عدوا لا يخلو من الحجج، وخاصة منذ تولي الرئيس الحالي رجب طيب إردوغان مقاليد السلطة، حيث تخلت تركيا تدريجيا عن شراكتها مع الغرب وراحت تتخذ لنفسها نهجا يمزج ما بين الاستقلالية وإدارة الظهر وأحيانا العمل ضده.

ويجادل هذا الفريق بأن أهمية تركيا بالنسبة لحلف الناتو مبالغ فيها، وهي فقدت ميزتها الأساسية مع انتهاء الحرب الباردة.

وتحت قيادة إردوغان اتبعت تركيا كل وسيلة ممكنة للإضرار بالعلاقات مع الغرب، ابتداء من سياساتها في الملف القبرصي وعدائها لليونان وإغراقها أوروبا بالمهاجرين غير الشرعيين إلى شراء منظومة الصواريخ من روسيا بالضد من تحذيرات الولايات المتحدة، إلى تحالفها ورعايتها لجماعة الإخوان المسلمين. واليوم هي تقف في طريق انضمام السويد وفنلندا لحلف الناتو تحت حجج وذرائع واهية.

في المقابل فإن الفريق الذي يرى في تركيا صديقا للغرب لا يخلو هو الآخر من الحجج. فتركيا هي عضو رئيسي في حلف الناتو، وهي تتعاون في العديد من الملفات بما في ذلك مكافحة الإرهاب، وبحكم موقعها الجغرافي تعتبر البوابة الرئيسية نحو آسيا والشرق الأوسط ولديها نفوذ واسع وكبير في المنطقة.

وعلى الرغم من أن معظم الحجج تميل إلى اعتبار تركيا عدوا وليس صديقا، إلا أن الحجة الأقوى التي يطرحها الفريق المؤيد لتركيا هي أن هذه البلاد ومنذ عام 1924 كانت حليفا دائما للغرب، وهي فترة طويلة نسبيا إذا قيست بتلك التي حكم فيها إردوغان، وليس هناك ما يمنع من هزيمته في الانتخابات واستعادة تركيا العلمانية. وبالتالي فإن الحكم على تركيا وتوجهاتها بناء على وضعها الحالي قد لا يكون منصفا. وربما يؤدي إلى خسارة حليف مهم على المدى البعيد!

الواقع أن هذه الحيرة تجاه اعتبار تركيا عدوا أو صديقا لا تنبع من فراغ، كما أن اختيار اليميني السويدي راسموس بالودان السفارة التركية بالذات كي يحرق نسخة من القرآن أمامها لم يأت هو الآخر من فراغ.

ولتقريب الصورة يمكن السؤال لماذا استطاع الغرب أن يستوعب دولة مثل اليابان مثلا ضمن منظومته رغم تاريخها وتقاليدها وثقافتها المختلفة، بل والمغايرة أحيانا، ولم يستطع أن يستوعب دولة مثل تركيا؟

ربما يكمن جانب من الإجابة في حقيقة أن تركيا ليست مجرد دولة شرقية أو إسلامية. لقد كانت حتى وقت قريب إمبراطورية كبيرة. وكانت تستولي على مساحات شاسعة من أوروبا ولعدة قرون، وبالتالي فإن كل تفصيل تركي هو بمثابة تذكير للأوروبيين بماضي الدولة العثمانية. الولايات المتحدة ليس لديها هذا الإرث ولذلك فإن حساسيتها تجاه المسألة التركية ربما تبدو مختلفة عن مثيلتها الأوروبية.

مع ذلك فإن الإدارات الأميركية بدأت في السنوات الأخيرة تعيد النظر في قناعتها القديمة باعتبار الديمقراطية التركية دليلا على إمكانية المزاوجة بين الإسلام والديمقراطية وبالتالي يمكن تشجيع هذا النموذج في المنطقة. ومع كل خطوة يتخذها إردوغان نحو الاستبداد السياسي وأسلمة الدولة والمجتمع يتخلى المزيد من الساسة الغربيين عن هذه القناعة.

وفكرة أن تركيا قد تخلت عن إرثها العثماني، وتبنت نهجا حديثا، وهي فكرة عبقرية اجترحها أتاتورك، هي التي جعلت من تكاملها مع الغرب عملية ممكنة وواردة. لكن من الواضح أن هذه الإمكانية تمر حاليا باختبار عسير.

والمشكلة هي أن تركيا لم تحسم أمرها تماما، هل هي دولة علمانية أم دينية؟ وهل هي دولة ديمقراطية أم سلطوية؟

وعلى الرغم من الإجراءات التي اتخذها أتاتورك باتجاه علمنة الدولة وسن قوانين تكفل ذلك، إلا أن الثقافة التركية بقيت أسيرة للدين، والأمر المهم بالنسبة للمجتمعات الأوروبية هو أن إمكانية تخلي تركيا عن العلمانية وإحياء الإرث العثماني التوسعي وإضعاف قيم الحداثة بصورة تدريجية يظل أمرا واردا وهو يشكل مصدر قلق عميق.

بعبارة أخرى فإن تركيا اليوم هي ليست الجمهورية التي أسسها أتاتورك، وقد لا تعود كذلك في أي وقت قادم. وهذا من شأنه أن يسهل الإجابة على الراغبين في معرفة ما إذا كان يمكن اعتبار تركيا بمثابة عدو أم صديق!

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *