بقلم/ عمران سلمان – قناة الحرة – 3 فبراير 2023/
زيارة وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، الأخيرة للمنطقة لم يكن هدفها كما يبدو تحقيق اختراق من أي نوع، ولكنها زيارة من أجل إبلاغ دول المنطقة بأن إدارة بايدن مهتمة بشؤونهم ومعنية بقضاياهم وأن التزامها تجاه حلفاء الولايات المتحدة وأصدقائها لم يتغير.
بالطبع هناك أيضا التحضير للزيارة المرتقبة لرئيس الحكومة الإسرائيلية الجديدة بنيامين نتانياهو لواشنطن، وكذلك بحث آفاق العمل مع هذه الحكومة في إطار العلاقات الخاصة بين البلدين.
وهناك أيضا الملف النووي الإيراني والتصعيد الإسرائيلي الفلسطيني وغير ذلك من القضايا التي تشغل بال الساسة في واشنطن، ويريدون أن يكونوا فيها على صفحة واحدة مع الحكومة الإسرائيلية فلا يتفاجئوا ولا يضطروا لاتخاذ مواقف غير مرغوب فيها.
وفي حين تبدو القضايا الكثيرة في المنطقة مصدر قلق وتفكير دائمين لواشنطن، يظل موضوع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي محتفظا بمكانته الخاصة.
وكل إدارة أميركية مهما كان انتماؤها الحزبي أو الأولويات التي تنشغل بها، فإنها في لحظة ما لا بد أن تعطي أهمية وجهد ووقت لا بأس به للصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
فمنذ إدارة جيمي كارتر في السبعينات وحتى يومنا هذا بذلت جهود كبيرة تراوحت ما بين الاستثمار السياسي والدبلوماسي والاستثمار الاقتصادي في هذه القضية.
لكن الملاحظ أن جميع تلك الجهود لم تسفر عن شيء. ولم يتمكن أي رئيس أميركي من تحقيق اختراق ما، وكان أكثر رئيس أميركي كرس وقتا وجهدا وسمعة هو الرئيس بيل كلينتون، ومع ذلك فقد خرج خالي الوفاض.
ترى ما السبب؟
ما الذي يجعل القضية الفلسطينية الأكثر استعصاء على الحل رغم مرور كل هذه السنوات ورغم كثرة من سعوا إلى تقديم المساعدة والعمل على حلها؟
في العادة كل قضية أو نزاع يحل عبر تسوية ما، لا تعطي الأطراف جميع ما تريده لكنها لا تحرمها أيضا من كل ما تريده. وبصورة ما يحصل كل طرف على مكسب معقول فيكون بذلك راضيا ومضطرا للموافقة على التسوية.
مشكلة القضية الفلسطينية أنها لم تعد مجرد قضية أو نزاع، بل غدت شأنا عربيا وإسلاميا عاما، تتنازعه الحكومات والجماعات والأفراد، وكما يتبين من كل هذه السنوات أنها أيضا وربما لهذا السبب أصبحت غير قابلة للتسوية.
الفلسطينيون يريدون فلسطين التاريخية وإن تظاهروا بالموافقة على أراضي 67، والإسرائيليون يقبلون بوجود الفلسطينيين إلى جانبهم، ولكن بشرط أن يتخلوا عن السلاح والعنف ويقبلوا بوجود إسرائيل الحالية.
وأعمال العنف والقتل الثأري بين الجانبين والمستمرة منذ قرابة قرن من الزمان والممزوجة بالكراهية والأحقاد هي التعبير الجلي عن تأصل عدم قبول الآخر.
بعبارة أخرى، فإن فكرة التعايش بين الفلسطينيين والإسرائيليين تبدو غير واردة في الوقت الراهن على الأقل، ولا تحظى بموافقة الجانبين. وهذا يعني أن حل الدولة الواحدة غير عملي وغير ممكن التحقيق.
كما يعني أن حل الدولتين هو الآخر غير قابل للحياة، لأن الفلسطينيين لن يقبلوا بدولة وفق الشروط الإسرائيلية، والإسرائيليون لن يقبلوا بدولة تهدد وجودهم ولا يضمنونها ولا يثقون فيها.
وهذا هو سبب فشل الوساطات وفشل السياسة الأميركية في هذا الملف. فالسياسة الأميركية هنا تبدو دائما متأخرة عن الواقع.
اليوم لا تزال إدارة بايدن تصر على حل الدولتين في الوقت الذي لا توجد فيه أدنى فرصة لهذا الحل. واليوم الذي يكون فيه ذلك مقبولا ربما يكون الواقع على الأرض قد تخطى ذلك.
يتضح مع مرور الوقت أن أي حل ممكن للنزاع لا بد أن يقع ضمن السيناريوهات التالية:
- أن يتغير الفلسطينيون والإسرائيليون، بحيث يتخلون عن فكرة الحلول النهائية ويقبلوا التعايش من دون الرغبة أو السعي لإلغاء الآخر.
- أن يقر أحد الطرفين بالهزيمة ويقبل بشروط الآخر ويسعى للتعايش معه.
- السيناريو الثالث هو أن يسيطر أحد الطرفين على الأرض ويفرض سيادته الكاملة في المنطقة الواقعة ما بين النهر (الأردن) والبحر (المتوسط).
على الرغم من أن السيناريو الأول والثالث ينسجمان مع منطق الأمور، فإن السيناريو الثاني يبدو هو الأقرب للواقع. أو على الأقل هو الأدنى تكلفة والأكثر فعالية عبر التاريخ. فالحروب لا تنتهي بإعلان الانتصار، ولكنها تنتهي عندما يعترف الطرف الآخر بالهزيمة.\
الاعتراف بالهزيمة هو السبيل الوحيد لانتهاء الحرب وهو الذي يسمح لكافة الأطراف بالانتقال إلى حالة السلم، من دون ذلك تستمر الحروب وإن بأشكال وطرق مختلفة.
العقلية العربية للأسف ليس في قاموسها ولا في عرفها الاعتراف بالهزيمة في حال وقعت، بل يتم تصوير الأمر في كل مرة كما لو أنه انتصار، ولكن من نوع مختلف (هذا ينطبق تقريبا على جميع الحروب، الصغيرة والكبيرة، التي شهدتها المنطقة خلال الخمسين عاما الماضية) وهذا بالطبع خداع للذات وتعميه على الواقع لا أكثر ولا أقل. لهذا السبب لا تتوقف الحروب في المنطقة، ولا يتم وضع نهاية لها. ويبدو أن النزاع الفلسطيني الإسرائيلي ليس استثناء من ذلك، إن لم يكن هو واقع في صلب القاعدة المذكورة.