العيب فينا، شعوبا وحكومات!

عمران سلمان – الحرة – 14 أغسطس 2020

الانفجار المأساوي الذي شهدته بيروت أعطى الكثيرين في الداخل والخارج دليلا إضافيا على أن المنطقة العربية كلها، وليس لبنان فحسب، تتجه بصورة أو بأخرى إلى أن تكون دولا فاشلة. ربما توجد استثناءات هنا أو هناك، لكن الصورة العامة تشي بأننا مقبلون على أوقات عصيبة.

الطغمة الفاسدة!

والحقيقة أن مؤشرات الفشل واضحة وبادية قبل ذلك الانفجار وبعده، لكن التسارع في الانهيارات المجتمعية، في أقل من عقد من الزمان، ربما دلل على أمر آخر وهو أننا وصلنا بالفعل إلى حالة من قلة الحيلة والانسداد وانعدام الأفق.

بالطبع ثمة الكثير مما يمكن أن يقال في هذا الموضوع، لكني أركز في هذا المقال على جانب واحد فقط وهو ذلك المتعلق بالمسؤولية الجماعية.

من اللافت أنه في الأزمات، كما في الحالة اللبنانية، وربما غيرها أيضا، فإن الجميع يتحدث عن طبقة سياسية فاسدة أو طغمة سياسية فاسدة. وهذا صحيح ولا جدال فيه، لكن ألا يتساءل هؤلاء مع ذلك من أين أتت هذه الطغمة؟ هل نزلت من الفضاء أم خلقت من العدم؟

الشرط الأول والأساس لأية نهضة مجتمعية لا يتم عبر الحصول على المزيد من القروض والمساعدات المالية من الخارج. هذه المساعدات مهمة لحل المشاكل الملحة، لكن الأساس هو تغيير الثقافة المجتمعية

هذه الطغمة تنتمي إلى نفس الثقافة والقيم السائدة في المجتمع وهي امتداد طبيعي له. وما لم تتغير هذه الثقافة والقيم فالمجتمع سوف يظل ينتج طغما مماثلة باستمرار، رغم تغير الأسماء والكيانات والأشخاص.

لذلك، فإن كان ثمة من هو حريص على تغيير الوضع الراهن حقيقة، فعليه في البداية الاعتراف بأن هناك خلل في الثقافة المجتمعية وخلل في نظرة الأفراد لأنفسهم ولدور الدولة وللملكية الخاصة والعامة وللمسؤولية الفردية ولقيمة العمل ولإدارة الخلافات والاختلافات داخل المجتمع.

مشكلتنا كمواطنين

هذا الأمر ليس خاصا بلبنان فقط، وإنما هو يتجاوزه إلى العديد من دولنا العربية.

علينا الاعتراف بأن لدينا مشكلة كمواطنين وليس فقط كحكومات. علينا أن نعترف بأن قيمنا وأفكارنا وجشعنا وعاداتنا تشجع الاستبداد والفساد وتشجع على التغوّل والتهرب من المسؤولية وعدم المحاسبة والاعتداء على المال العام.

من يعتقد أن الفساد ينشأ بقرار من الحاكم هو مخطئ. الفساد لا يحدث ما لم تكن هناك ثقافة مجتمعية تسهّله وتشجع عليه وتتغاضى عنه. فالمواطن العادي عندما يحصل على منفعة لا يستحقها لا يعتبر ذلك فسادا، وإنما يعتبره شطارة وفهلوة. وعندما يخدع/أو ينصب على الآخرين ويتفوق عليهم بالباطل، فهو يرى في ذلك قدرة فذة من جانبه على استحصال ما ليس له حق فيه.

وما يمارسه الإنسان العادي يمارسه المسؤول في نطاق أكبر وأوسع بحكم سلطته. لكن الأول يعتبره فسادا، بينما يعتبره الثاني مجرد تماشيا مع نفس القيم السائدة في المجتمع.

والحقيقة أن الاثنين يمارسان الفساد نفسه، والمسألة بينهما لا تخرج عن صراع السمك الكبير مع السمك الصغير. فالصراع هو على من يكون في موقع الآخر.

تايلاند نموذجا

وهذا هو أحد الأسباب (وليس كلها) في أن مجتمعاتنا العربية رغم ما تشهده من حين إلى آخر، من تغير في الحكومات وربما الأنظمة السياسية، مع ذلك فإن الوضع العام يسوء ولا يتحسن.

كنا نقول في السابق بأن الاستعمار هو السبب، وقد ذهب الاستعمار. وكنا نقول بأن التدخلات الأجنبية وإسرائيل هما السبب، لكن هذه التدخلات ليست مقتصرة على بلداننا فقط.

لا بد أن نعي بأن الشرط الأول والأساس لأية نهضة مجتمعية لا يتم عبر الحصول على المزيد من القروض والمساعدات المالية من الخارج. هذه المساعدات مهمة لحل المشاكل الملحة، لكن الأساس هو تغيير الثقافة المجتمعية.

المسألة المحزنة باعتقادي هي أن الكثيرين، ممن يتصدون لهذه القضايا، لا يجرؤون على الإشارة إلى الجذر الحقيقي للمشاكل، وإنما يواصلون ممارسة نفس أساليب “الفهلوة”

تايلاند بلد متواضع في إمكانياته ومستوى معيشته، ومع ذلك لا يطلب مساعدات من الخارج، ومن النادر أن تجد هناك أحدا يغشك في شيء أو يأخذ زيادة على حقه. لو أعطيت موظفا في مطعم مبلغا من المال يزيد عن حسابك، فسوف يعيده إليك ويرفض أن يأخذه. في الكثير من دولنا فإن الموظف لا يأخذ فقط ذلك المال، وإنما بمجرد أن يكتشف بأنك لست من أهل البلد، سوف يجعلك تدفع أضعافا على نفس الخدمة أو السلعة. وسوف يعتبر ذلك شطارة وذكاء منه!

انعدام الأمل

ويمكن القول إن عقلية “الشطارة” و”الفهلوة” هذه ليست مقتصرة على الاقتصاد، بل هي تمارس أيضا في السياسة والفن والمعاملات وشتى مجالات الحياة. ورغم أن معظم الناس يشكون منها، لكنهم يمارسونها بطرق مختلفة وفي النطاقات التي هي في متناول أيديهم.

هذه الثقافات والممارسات لا يمكن أن تبني بلدانا أو تقيم اقتصادا حقيقيا. فعاجلا أو آجلا سوف تؤدي إلى انحدار وتدهور هذه البلدان. وهذا ما يحدث اليوم في العديد من الدول العربية التي تتجه نحو الفشل.

والمسألة المحزنة باعتقادي هي أن الكثيرين، ممن يتصدون لهذه القضايا، لا يجرؤون على الإشارة إلى الجذر الحقيقي للمشاكل، وإنما يواصلون ممارسة نفس أساليب “الفهلوة” ودغدغة عواطف الناس عبر التركيز على دوري “الضحية” و”الجلاد”، أو “الطغمة الفاسدة” و”المواطنين المغلوب على أمرهم”، الأمر الذي يجعلني لا أتفاءل بقرب إيجاد حل للأزمات الماثلة. الأرجح أننا سوف نشهد مزيدا من التفسخ والتفكك للكيانات القائمة، وبالطبع سوف يصاحب ذلك المزيد من التدخلات الأجنبية، الإقليمية منها أو الدولية.

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *