عمران سلمان
21 أغسطس 2020
الحرة
إعلان الإمارات وإسرائيل عن إقامة علاقات رسمية بين البلدين، أحدث ارتباكا وبلبلة واسعين في صفوف محوري “المقاومة والممانعة” ومحور “الإخوان المسلمين”، لجهة أنه أدخل عاملا جديدا في المعادلات القائمة.
بلبلة وارتباك
ورغم أن الدول والجماعات التي تتزعم المحورين قد اشتركت في إدانة الخطوة الإماراتية، واستخدمت تعبيرات ثقيلة في وصفها من قبيل “الخيانة” و”طعنة في الظهر” وما شابه، إلا أن ذلك لم يكن أكثر من هدنة، فرضت عليهما، وسرعان ما سيعودان إلى شاغلهم الأساسي – الحرب الإعلامية والسياسية المستعرة بينهما من جهة، وفي مواجهة المحور الثالث المعروف بمحور “الاعتدال” من جهة ثانية.
والواقع أن أي حدث يتعلق بالقضية الفلسطينية، التي يحرص كلا من محور “المقاومة” ومحور “الإخوان” على تبنيها واعتبارها قضيته الأساسية، إنما يشكل فاصلا أو استراحة للمتحاربين، حيث يمكنهما أن يزايدا على بعضهما البعض وعلى الفلسطينيين في الدفاع عن الأقصى وعن ضرورة اعتماد الكفاح المسلح لإرجاع الأراضي الفلسطينية.
وتظهر هذه المزايدات واضحة في إنكار كل طرف على الآخر جديته في محاربة إسرائيل والتصدي لها، بل يذهب بعضهم إلى حد التشكيك في النوايا والخطابات، معتبرين (كما في حالة الموقف من عداء “حزب الله” لإسرائيل)، أن ذلك مجرد ادعاء وخداع يخفي وراءه الأهداف الحقيقية في تفتيت الأمة الإسلامية والعمل على تمكين إيران من السيطرة عليها… إلخ!
هل الاتفاق تاريخي؟
على الرغم من محاولة بعض الأطراف التهوين من شأن الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي، باعتباره مجرد إعلان عما كان يدور في الخفاء منذ سنوات، إلا أن الحقيقة هي أنه مهم في حد ذاته، ولعل انفلات ردود الفعل العنيفة وكذلك الشاملة (حيث استنفر الإسلاميون والقوميون، باختلاف طوائفهم، كامل ماكينتهم الإعلامية والسياسية) ضد الاتفاق، إنما تعني أنه بالفعل حدث كبير وتاريخي بكل المقاييس.
وكون الاتفاق تاريخي لا يعني أنه جيد أو سيء، بقدر ما يعكس حقيقة أنه اختراق كبير في العلاقات بين إسرائيل والدول العربية.
وهذه العلاقة الجديدة مع الإمارات بالذات تختلف عما سبقها، فهي ليست مرتبطة بالأراضي أو بالحدود، كما في حالة مصر والأردن، وهي أيضا ليست مرتبطة بمقابل مالي أو مساعدات عسكرية تدفعها الولايات المتحدة عادة من أجل ضمان بقاء الاتفاق على قيد الحياة.
إنها علاقة تقوم على أساس المصالح المباشرة، كما هو الحال بين أية دولتين. وبالتالي فهي تدشن مرحلة جديدة في المنطقة، وتؤسس لتعريف لم نألفه سابقا في أدبيات النزاع العربي الإسرائيلي، ألا وهو “السلام مقابل السلام”. ولهذا السبب بالذات فهو قد يفتح المجال لدول خليجية وعربية أخرى للحذو حذو الإمارات.
هل يصمد الاتفاق؟
هل يصمد الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي، في الوقت الذي تحولت فيه الاتفاقيات بين إسرائيل ومصر والأردن إلى مجرد علاقات رسمية بروتوكولية أو ما درج على تسميته بالسلام البارد؟
هنا أيضا يبدو الأمر مختلفا. فالشعوب الخليجية، وبينهم الإماراتيون، يميلون عادة إلى الامتثال وتأييد سياسات حكوماتهم. ومن النادر أن تواجه هذه الحكومات معارضة في علاقاتها مع الدول الأخرى.
وبخلاف بعض الدول العربية، ففي الخليج لا توجد أحزاب أو تيارات مرتبطة عضويا بالأنظمة والجماعات الخارجية، سواء الإسلامية أو القومية. ومعظم الجمعيات إن وجدت، فهي تدور في فلك الدولة، ولذلك فإنه من غير المتوقع أن نشهد احتجاجات أو تظاهرات ذات قيمة مناهضة للاتفاق.
على العكس من ذلك، من المرجح أن تولد التصرفات الفجة من بعض الدول والجماعات والأفراد في عدد من الساحات العربية ضد الإمارات، وخصوصا إهانة وإحراق العلم الإماراتي وصور ولي عهد أبوظبي، ردة فعل عكسية لدى الإماراتيين، ربما تجعلهم لا يقبلون فقط بالعلاقات مع إسرائيل، وإنما يدافعون عنها أيضا.
يخدم أم يضر؟
هل الاتفاق يخدم الفلسطينيين أم يضرهم؟ قيل الكثير في هذا الأمر، فهناك من اعتبره “ضربة قاسية للفلسطينيين”، وهناك من اعتبر أنه “يصب في مصلحة الفلسطينيين”. لكن حجم التأييد العربي والدولي له (بما في ذلك الأمم المتحدة)، ومعارضة دولتين فقط (تركيا وإيران)، يجعله قابلا للاحتمالين، أي جلب الفائدة أو الضرر، وبحسب الطريقة التي يجري التعامل معه.
فهو قد يكون مفيدا من جهة، فربما يخفف، على المدى المتوسط، من عزلة الإسرائيليين ويبدد حالة الخوف المزمنة لديهم والحاجة للشعور بالأمن في مواجهة المحيط العربي، ما ينعكس إيجابا على تعاملهم مع الفلسطينيين، لكنه قد يكون ضارا في حال تصرف الفلسطينيون بعداء ضد الإمارات وسمحوا لمحوري “الإخوان” أو “المقاومة” بمواصلة استغلال قضيتهم والعبث بها.
وأخيرا، أيا كان الموقف من اتفاق السلام الإماراتي الإسرائيلي، فإن الصحيح هو أن الإمارات دولة ذات سيادة ومن حقها أن تتخذ ما تشاء من المواقف والسياسات في نطاق سلطتها وبما ينسجم مع مصلحتها، بالضبط كما تفعل باقي الدول، بما في ذلك تركيا وإيران وحتى السلطة الفلسطينية. أما حديث التخوين والضرب والطعن وما شابه، فهو مجرد “لغو” كنا نعتقد (مخطئين) أننا قد تجاوزناه منذ أمد بعيد.